وذلك لا يخطر بقلوبهم فإذا أعجزه العبد في هذه المراتب سلط عليه حزبه من الإنس والجن بأنواع الأذى والتكفير والتبديع والتحذير منه؛ ليشوش عليه قلبه وليمنع الناس من الانتفاع به، فحينئذ يلبس المؤمن لامة الحرب ولا يضعها عنه إلى الموت ومتى وضعها أسر وأصيب فلا يزال في جهاد حتى يلقي الله. فتأمل هذا الفصل وتدبره واجعله ميزانًا لك (٦٧)، تزن به نفسك وتزن به الناس والله المستعان.
وتأمل السر في قوله تعالى: ﴿ الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ ﴾. ولم يقل قلوبهم والصدر هو ساحة القلب، وهو بمنزلة الدهليز (٦٨) وبيته، فمنه يدخل الواردات إليه فيجتمع في الصدر، ثم يلج في القلب وفي القلب يخرج الأوامر والإرادات إلى الصدر، ثم تتفرق على الجنود ومن فهم هذا فهم قوله: ﴿ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ ﴾ [آل عمران: ١٥٤].
فالشيطان يدخل إلى ساحة القلب وبيته ويلقي ما يريد القاءه إلى القلب، فهو موسوس (٦٩) في الصدر وسوسة واصلة إلى القلب، ولهذا قال تعالى: ﴿ فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ ﴾ [طه: ١٢٠]. ولم يقل فيه لأن المعنى أنه ألقى إليه ذلك وأوصله إليه فدخل في قلبه.
وقوله تعالى: ﴿ مِنَ النَّاسِ ﴾ اختلف الناس في هذا الجار والمجرور، بم يتعلق فقال الفرَّاء(٧٠)، وجماعة هو بيان للناس الموسوس في صدورهم أي أن الموسوس في صدورهم قسمان: أنس وجن، فالوسواس يوسوس للجني، كما يوسوس للإنسي وهذا القول ضعيف جدًا لوجوه منها:
أنه لم يقم دليل على أن الجني يوسوس في صدر الجني ويدخل فيه كما يدخل في الإنس، والناس [اسم] (٧١) لبني آدم فلا يدخل الجن في مسماهم.


الصفحة التالية
Icon