وبذلوا جهدهم في تفسيره، وإيضاح دلالاته، واستنباط فوائده وأحكامه، وكلما ادلهمت عليهم الخطوب، وتكالبت الشرور، وجدوا في كتاب ربهم النجاة والمنعة، وصدق الله ﴿بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ﴾ ١.
وقد كان من العلماء الأعلام، أئمة الهدى الذين أعز الله بهم دينه، وأعلى بهم كلمته الإمام المجدد، شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله الذي ألهمه الله رشده، ونور بصيرته، وعرفه بكتابه فعمل به، ودعا إليه وبينه، واستنبط كثيراً من أحكامه، ولفت الأنظار إليه، وذم من أعرض عنه، وابتغى الهدى من غيره.
حيث نشأ رحمه الله في زمن انتشرت فيه الجهالة في كثير من الأنحاء، وبعد الناس عن كتاب ربهم، وتمسكوا بأقوال متبوعيهم غير المعصومين في حين أعرضوا عن كتاب الله زاعمين أنهم لا يستطيعون فهمه مباشرة، فضيقوا على أنفسهم، وحجروا على غيرهم تفسير كتاب الله، فإذا فسر لهم آية رمقته عيونهم، ومقتته قلوبهم، واشمأزت منه نفوسهم.
فقام الشيخ بكتاب الله يدعو إليه، ويبين معانيه وأحكامه، وما تضمنه من عقيدة وأحكام وعبر، ويستنبط منه الفوائد، ويؤلف في ذلك، ويدعم رسائله وفتاواه بنصوص الوحي المطهر، حتى ظهر دين الله، وارتفعت رايته، وثاب المسلمون إلى رشدهم، وعادوا إلى كتاب ربهم، ونهلوا من معينه، وطبقوه في واقع حياتهم، فكان منهج الشيخ في التفسير والاستنباط- ذلك المنهج الذي كان من ثمراته تلك الدعوة الإصلاحية المباركة التي ما زالت تؤتي ثمارها- جديرا بالاهتمام والدراسة.
ولذ ارأيت أن يكون موضع رسالتي في مرحلة الماجستير بعنوان "منهج شيخ الإسلام الشيخ محمد بن عبد الوهاب في تفسيره مع تحقيق جزء من تفسيره"- وذلك لما أراه من أهمية هذا الموضوع، وفائدته، وحيويته.
أولاً: البيئة من حول الشيخ١:
درس كثير من الباحثين البيئة التي قام فيها الشيخ بدعوته، واتفق أهل التحقيق منهم على أن العصر الذي نشأ فيه قد انتشرت فيه الضلالة، وعمت الجهالة، وطمست فيه أنوار الهداية، وذلك بطمس أسها وملاكها وهو توحيد العبادة وعدم تحققه في قلوب كثير من العباد، حيث ارتكس كثير من الناس في أوحال الشرك، وارتدوا إلى الجاهلية، لغلبة الجهل عليهم وقلة أو عدم المرشد لديهم، واستعلاء ذوي الأهواء والضلال عليهم. فنبذوا كتاب الله وسنة رسوله ﷺ وراء ظهورهم معرضين عن تدبرهما والاهتداء بهما متبعين لأهوائهم وما كان عليه آباؤهم وأجدادهم ولسان حالهم يقول: ﴿إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ﴾ ٢.
فعدلوا عن عبادة رب العباد إلى عبادة العباد، إذ عدلوا إلى عبادة الأولياء والصالحين، وتقديسهم، والتبرك بهم، ودعائهم في تفريج الكربات وقضاء الحاجات، وتقديم القرابين والنذور لهم، وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون.
وكما عبد الأولياء والصالحون، فقد عبدت الأغوار والأشجار والأحجار في كثير من الأقطار.
ولم تكن غير نجد من البلدان بأحسن حالا منها، بل عمها طغيان الجهالة والضلالة، فنحو ما في نجد كان يوجد في سائر الأقطار والبلدان في جدة واليمن
وقد أفاض شيخنا الدكتور/ صالح العبود في وصف البيئة من حول الشيخ في العالم الإسلامي، وضمنها نقولاً كثيرة فراجعها في كتابه "عقيدة الشيخ محمد بن عبد الوهاب السلفية، وأثرها في العالم الإسلامي "١: ٢١- ٦٤".
٢ سورة الزخرف: آية "٢٣".