هذا وتتلخص أسباب اختيار الموضوع فيما يلي:
١- خدمة لكتاب الله عز وجل ببيان منهج من المناهج القويمة في فهم كتاب الله وتفسيره والاستنباط منه والاهتداء بهديه.
٢- رغبة في إلقاء الضوء على جانب مهم من جوانب حياة الشيخ محمد بن عبد الوهاب العلمية، وهو الجانب التفسيري ذلكم الجانب الذي لم يلق العناية اللازمة من الباحثين مع أصالته وأهميته بالرغم من كثرة ما كتب فيما يتعلق ببيان جوانب مشرقة من حياة الشيخ.
٣- قيمة تفسير الشيخ العلمية.
وإنما تظهر قيمه لما تميز به من ميزات قد ذكرتها في موضع آخر وألخصها هنا فيما يلي:
١- سلفية الشيخ ومنهجه القويم في الاعتقاد والتفسير، ومعلوم ذلكم التلازم الوثيق بين استقامة هذين الجانبين.
ولذا اصطبغ تفسيره بالصبغة السلفية فلا تحريف ولا تأويل، وإنما تمش مع النصوص وإجراء لها على ظواهرها مع الأيمان بمعانيها والاستفادة العلمية والعملية منها. فكان موضع ثقة وقبول من أهل الاعتقاد الصحيح.
٢- اهتمامه في تفسيره واستنباطاته بالربط بين الواقع وبين المعاني المفهومة من الآيات فى سبيل إصلاح المجتمع وعلاجه من أدوائه، وربط الناس بكتاب الله ليأخذوا منه مباشرة ويهتدوا بهداه. وقد ظهر هذا الجانب في تفسيره ومنهجه نصاً واستقراء ومن ذلك قوله: اعلم أن الله سبحانه عالم بكل شيء يعلم ما يقع على خلقه، وأنزل هذا الكتاب المبارك الذي جعله تبياناً لكل شيء وتفصيلاً لكل شيء وجعله هدى لأهل القرن الثاني عشر ومن بعدهم، كما جعله هدى لأهل القرن الأول ومن بعدهم١.

١ مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع / التفسير ص "٢٦٣".

وحضرموت وما جاورها، ومصر وصعيدها، والشام ونواحيها والموصل وبلاد الأكراد. كما لم يسلم الحرمان الشريفان من ذلك الطغيان، بل أصابها ما أصاب غيرها، فكان طوائف من الوفود والأعراب يأتون فيها من الفسوق والضلال والعصيان ما يملأ القلب أسى وحزناً إذ عبدت المآثر والقبور وارتكبت المحارم وانتهكت الحدود، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وأما العلماء فإنهم ما بين مقتصر على درسه وحلقته لا يتجاوزها إلى مجتمعه لعلاجه، أو متأسف عاجز، أو مجامل للعامة والرؤساء مشفق على مركزه خائف زواله بالإنكار عليهم، أو صاحب مصلحة في الضلالة كما يزين له الشيطان – والعياذ بالله- أو جاهل بأصل الدين وحقيقته.
فكان الناس في أمس الحاجة إلى عناية إلهية تنقذهم مما هم فيه من ضلال وغي وتعيدهم إلى رشدهم ودينهم القويم.
فتجلت تلك العناية الإلهية في ذلك المرشد الموفق، والمصلح المسدد، الذي ألهمه الله رشده ونور بصيرته وهو الشيخ محمد بن عبد الوهاب الذي عرف حقيقة التوحيد وأصله وأنه أعظم ما دعا إليه القرآن وهو الغاية من خلق الناس وبعث الرسل كما يتبين ذلك من القرآن في غير موضع كما قال تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ ١. وقال: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾ ٢. وقال: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾ ٣، وعرف ما عليه كثير من الناس من أعمال مضادة للتوحيد ومناقضة أو قادحة فيه، فقام بدعوته إلى الله، وبين للناس ولفت أنظارهم إلى ما تضمنه كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، من دلائل التوحيد، ونصب أعلامه وجاهد في سبيل ذلك حتى عاد للعقيدة نقاؤها وصفاؤها.
١ سورة الذاريات: آية "٥٦".
٢ سورة النحل: آية "٣٦".
٣ سورة الأنبياء: آية "٢٥".


الصفحة التالية
Icon