الفصل الثاني: تفسيره القرآن بالسنة
يذهب الشيخ محمد رحمه الله إلى أن النبي "صلى الله عليه وسلم" فسر للصحابة رضوان الله عليهم ألفاظ القرآن كما بلغها. وقد مال إلى هذا القول من قبل الإمام ابن جرير الطبري١، وقرره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمهم الله٢.
والذي يظهر أن مرادهم بذلك أن النبي ﷺ بين ما يحتاج إلى بيان وإيضاح، كما تدل عليه عباراتهم، واستدلالاتهم، كما سيأتي، وأما ما سوى ذلك فمجرد إبلاغه بيان له، على ما سيأتي توضيحه.
فإن قول الشيخ محمد: "فسر" مشعر بذلك، حيث أن التفسير في اللغة: هو الكشف والبيان٣. والذي يحتاج إلى كشف وبيان هو ما كان مستوراً غامضاً، وهو ما أمر النبي ﷺ ببيانه في قول الله تعالى له: ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾ ٤ فتولى النبي ﷺ ذلك بالبيان على أوجه كثيرة: كبيان المجمل، وتوضيح المشكل، وتخصيص العام، وتقييد المطلق، وغير ذلك، والأدلة على بيانه ﷺ كثيرة منها:
١- قوله تعالى: ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾ فالبيان في الآية يتناول بيان معاني القرآن، كما يتناول بيان ألفاظه بتبليغها.
٢- قوله تعالى: ﴿كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ﴾ ٥ وقوله: ﴿أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ﴾ ٦ وقوله: ﴿أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ﴾ ٧، وتدبر الكلام بدون فهم معانيه لا يمكن.
٢ انظر مؤلفات الشيخ/ التفسير ص"٢٥٤"، وتفسير الطبري "١: ٧٣ وما بعد ها" ومقدمة في أصول التفسير لشيخ الإسلام ابن تيمية ص "٣٥".
٣ انظر لسان العرب "٥: ٥٥". والمصباح المنير "٤٧٢" مادة: فسر.
٤ سورة النحل: آية "٤٤".
٥ سورة "ص": آية "٢٩".
٦ سورة النساء: آية "٨٢".
٧ سورة المؤمنون: آية "٦٨".