وأعتقد أن ذلك يحتاج إلى تأمل وإعادة نظر؛ فتقسيم ترجمة القرآن إلى قسمين : حرفية وتفسيرية؛ والحديث عن القسم الأول بأنه لا يجوز، وعن الثاني بأنه يجوز؛ تقسيم افتراضي لا حقيقي، لأنه يستحيل أن يتحقق ما يسمى بالترجمة الحرفية لكلام الله عز وجل المنزل في كتابه الكريم القرآن؛ لسببين رئيسين: الأول كون تنزله باللسان العربي ووصف الله تعالى له بأنه عربي، فإذا خرج عن العربية لم يعد قرآناً، وثانياً: للتحدي والإعجاز الوارد فيه.
وإن افترض إمكانه في غير كلام الله، فإنه في كلام الله مستحيل ممتنع أصلا.
وإذا كان الله قد تحدى بالإتيان بمثل هذا القرآن أو ببعض من سوره أو بسورة منه أو بحديث من مثله بلغته نفسها ؛ فبغيرها من باب أولى.
وهو يشبه أن يقال : هذه الشجرة يمكن الحصول على مثلها بطريقين:
الأول : الإيجاد من العدم، والثاني: بالاستنبات.
ثم يقال : فالأول لا يجوز، والثاني يجوز !
أما أن يكون السبب في التقسيم المذكور وجود مَنْ يدعي إمكانه بشقيه ؛ فليس ذلك بسبب يعول عليه، ومدخل تبنى المسائل عليه، ويكفي فيه ما يسمَّى بالتحدِّي على صدق الدعوى(٢٦)، وما أكثر ما يدعى ! وقد قيل :
والدعاوى ما لم يقيموا عليها … بينات؛ أصحابها أدعياء.
قال النووي في المجموع (٢٧) :
"ترجمة القرآن ليست قرآناً بإجماع المسلمين، ومحاولة الدليل لهذا تكلف، فليس أحد يخالف في أن من تكلم بمعنى القرآن بالهندية ليست قرآناً، وليس ما لفظ به قرآناً، ومن خالف في هذا كان مراغماً جاحداً، وتفسير شعر امرئ القيس ليس شعره، فكيف يكون تفسير القرآن قرآناً ؟.
وقد سلموا أن الجنب لا يحرم عليه ذكر معنى القرآن، والمُحْدِث لا يمنع من حمل كتاب فيه معنى القرآن وترجمته، فعلم أن ما جاء به ليس قرآناً، ولا خلاف أن القرآن معجز وليست الترجمة معجزة، والقرآن هو الذي تحدى به النبي ﷺ العرب ووصفه الله تعالى بكونه عربياً ".