وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (٢٨) :"يجب أن يعلم أصلان عظيمان :
أحدهما : أن القرآن له بهذا اللفظ والنظم العربي اختصاص لا يمكن أن يماثله في ذلك شيء أصلا؛ أعني خاصة في اللفظ وخاصة فيما دلَّ عليه من المعنى، ولهذا لو فسر القرآن ولو ترجم؛ فالتفسير والترجمة قد يأتي بأصل المعنى أو يقربه، وأما الإتيان بلفظ يبين المعنى كبيان لفظ القرآن فهذا غير ممكن أصلا.
ولهذا كان أئمة الدين على أنه لا يجوز أن يقرأ بغير العربية لا مع القدرة عليها ولا مع العجز عنها؛ لأن ذلك يخرجه عن أن يكون هو القرآن المنزل، ولكن يجوز ترجمته كما يجوز تفسيره وإن لم تجز قراءته بألفاظ التفسير وهي إليه أقرب من ألفاظ الترجمة بلغة أخرى.
الأصل الثاني: أنه إذا ترجم أو قرئ بالترجمة فله معنى يختص به لا يماثله فيه كلام أصلا، ومعناه أشد مباينة لسائر معاني الكلام من مباينة لفظه ونظمه لسائر اللفظ والنظم، والإعجاز في معناه أعظم بكثير كثير من الإعجاز في لفظه.
وقوله تعالى: (قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا( (الإسراء: ٨٨) يتناول ذلك كله، فكيف يقال: الكلام المقروء بالعربية والسريانية من التوراة والإنجيل والمترجم بالفارسية والتركية من ذلك هو الكلام المقروء بالعربية الذي هو القرآن مع أنا بالبديهة نعلم أنه ليس مثله لا في لفظ ولا في معنى فضلا عن أن يكون هو إياه".
وحسب اطلاعي فإن هذا التقسيم ليس له أصل في كتب السلف سوى بيان استحالة الأول وإمكان الثاني (٢٩) دون قصد التقسيم ذاته.


الصفحة التالية
Icon