"الترادف في اللغة قليل، وأما في ألفاظ القرآن إما نادر وإما معدوم(٥٤)، وقلَّ أن يعبر عن لفظ واحد بلفظ واحد يؤدي جميع معناه، بل يكون فيه تقريب لمعناه، وهذا من أسباب إعجاز القرآن.
فإذا قال القائل: (يوم تمور السماء مورا( ( الطور : ٩ ): إن المور: الحركة، كان تقريبا، إذ المور حركة خفيفة سريعة، وكذلك إذا قال: الوحي: الإعلام، أو قيل:(أوحينا إليك(: أنزلنا إليك، أو قيل: (وقضينا إلى بنى إسرائيل( : أي أعلمنا، وأمثال ذلك فهذا كله تقريب لا تحقيق، فإن الوحي هو: إعلام سريع خفي، والقضاء إليهم أخص من الإعلام، فإن فيه إنزالاً إليهم وإيحاء إليهم".
وقال ابن القيم رحمه الله(٥٥) :
" فالأصل في اللغة هو التباين وهو أكثر اللغة والله أعلم".
ولذلك حرص أهل الاختصاص على تأكيد الفروق بين الألفاظ المتقاربة في كتاب الله.
قال الزركشي في البرهان (٥٦):
" قاعدة في ألفاظ يظن بها الترادف وليست منه، ولهذا وزعت بحسب المقامات فلا يقوم مرادفها فيما استعمل فيه مقام الآخر.
فعلى المفسر مراعاة الاستعمالات والقطع بعدم الترادف ما أمكن، فإن للتركيب معنى غير معنى الإفراد، ولهذا منع كثير من الأصوليين وقوع أحد المترادفين موقع الآخر في التركيب وإن اتفقوا على جوازه في الإفراد.
فمن ذلك الخوف والخشية لا يكاد اللغوي يفرق بينهما، ولا شك أن الخشية أعلى من الخوف وهي أشد الخوف؛ فإنها مأخوذة من قولهم: شجرة خشية: إذا كانت يابسة؛ وذلك فوات بالكلية، والخوف من قولهم ناقة خوفاء إذا كان بها داء، وذلك نقص وليس بفوات، ومن ثمة خصت الخشية بالله تعالى في قوله سبحانه (ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب( ( الرعد : ٢١ )"
ثم ذكر فروقا بين ألفاظ أخرى، مثل : الشح والبخل، والبخل والضن، والغبطة والمنافسة، والحسد والحقد، والسبيل والطريق، وجاء وأتى، والخطف والتخطف، ومد وأمد، والعمل والفعل، والقعود والجلوس، والتمام والكمال.


الصفحة التالية
Icon