جميل أن نتثاقف والأجمل أن تكون بنية التعرف على الغير، والاستفادة من طاقاته الثقافية، وعندنا وسائل متعددة من اجل ذلك (الجامعة العربية، مجمع اللغة، مجلس التعريب السفارات، بعثات التعاون مع الدول العربية من جهة ومن جهة أخرى نتعرف على الجانب الشرقي مثل الصين، اليابان، الهند فضلا عن الأتراك والفرس).
ماذا نعرف عن ثقافة هذا العالم ؟ لماذا لا يهتم إعلامنا بما يحدث هناك، وماذا ترجم لهم أو عنهم ؟ لماذا لا نعرف عن آسيا إلا تسونا مي ؟ هذا من جانب المثاقفة أما جانب التثاقف الذي يخص داخل التراب الوطني فنحن نملك المسارح، ودور الثقافة والفنون، وعندنا صناعات، ونشاطات ثقافية، وجمعيات أدبية وإعلام الذي أصبح وسيلة ترفيه لا توجيه وتعليم، ضف إلى ذلك جهود الترجمة والتعريب لعلوم الغرب السائرة في بلاد المشرق(٤) وهي تهدف إلى إنشاء مراكز للبحوث والتنسيق مع مختلف الدوريات من أجل التكامل العربي علميا، اقتصاديا، وثقافيا...
وحدة اللغة ووحدة المعرفة :
جاءت النظرية النونية المشتقة من الآية (ن والقلم وما يسطرون)(٥) كما يطلق عليها اسم نظرية وحدة المعرفة(٦).
هذه النظرية لم تكن حصيلة فكر منفرد متفرد وإنما هي حصيلة دراسات متلاحقة لعلماء ولغات وحضارات، وللسلف اليد الطولى في تطوير علم اللغة من خلال ما صنفوه خدمة للإسلام والقرآن الحكيم ومدارسته وتبيان محكمه من متشابهه وناسخه من منسوخه، وعامه من خاصه، وحوا ميمه وقراءاته وما قدموه من خلافات مدرسية ومذهبية ونظريات كان لها الفضل في إحياء الدروس اللغوية، ونخص بالذكر في مجال البلاغة والإعجاز، إمام البلاغة عبد القاهر الجرجاني في كتابيه أسرار البلاغة ودلائل الإعجاز، الذي استفادت منه النظرية المعاصرة في علم اللغة.
أما القلب في المصطلح الديني فهو شيء آخر أكبر وأشمل وأعمق، على مستوى الوظائف، والتأثير بعيد المدى، فالقلب الديني هو محل ثنائيات متغايرة تناقضية، تنافرية. فهو موئل الهداية أو الضلال، ومستقر الفقه والتعقل، أو الجهل والتبلّد، وهو مدفع العمل والإصلاح، ومحفز التثبيط والإفساد، فيه تُدبَّر الأوامر ويصطنع القرار، وبه يرتقي المخلوق حتي يصير إنسانا مكرماً، وبه ينحضج حتي يستحيل بشراً محقّراً.
الواقع أن جدلية العقل والقلب شأنها أوسع من أن يحويه هذا المقام الموجز الضيق. والذي يعنيني هنا هو التوكيد على أن المغايرة بين كلا المصطلحين أمر ثابت لا يسمح بتسلل شبح الترادف، فالتمايز هنا لا يترك للتمازج موضعاً.
كذلك ليس في الصواب نبذ أو اطّراح أي من الاصطلاحين : الديني، والطبي ؛ فكل منهما حامل لمفهوم في موقعه صحيح، دقيق المعالم.
وقد كان بالإمكان فك الجدلية وحل الإشكال عن سبيل القول بأن النصوص الدينية أطلقت مصطلح القلب، مريدة به العقل نفسه. لكن هذا الرأي أو الافتراض، أو التصور سيلقى صدمة مصدرها تصريح النص الديني بأن القلب المذكور يمكث في الصدور وراء الضلوع، لا في الرأس تحت عظمة الجمجمة. قال تعالى ﴿ولكن تعمى القلوب التي في الصدور﴾. إن هاته الآية ونحوها تفتح الباب لتحميل القلب الطبي وظائف وصلاحيات وإمكانيات واسعة، وكثيرة تهدد المخ بالتهميش، بل قد تحوله إلى عضو عاطل عن العمل، كما هو حال الزائدة الدودية.
والأمر يزداد تعقيدا حين نتذكر بأن المصطلح الطبي الشائع يسمي المخ باسم العقل ؛ مما يمنحه بشهادة اللغة فضيلة ومهمة سوق وتوجيه الإنسان وسلوكه في إطار وصاية شاملة محكمة.
وليس من مانع يحول دون القول بأن القلب الطبي يحمل ويؤدي وظائف أخرى غير وظائفة البيولوجية المعلنة، أعني أن يؤدي وظائف إدراكية أو روحية، متعالية ومستعصية عن مجاهر الأطباء، ومخابرهم.
هذا أمر غير ممتنع في التصور العقلي، ولا يكفي لرده عدم وجود دليل مادي قاطع- حتى اليوم- على ذلك ؛ لأن عدم الدليل ليس دليلاً على العدم.
ومن المصنفات المشهورة في هذا الميدان "المُعَرَّب" للجواليقي يقول في مقدمته [١٨]: "هذا كتاب نذكر فيه ما تكلَّمَتْ به العرب من الكلام الأعجمي، ونطق به القرآن المجيد، وورد في أخبار الرسول -صلى الله عليه وسلم- والصحابة والتابعين وذكرَتْه العرب في أشعارها وأخبارها؛ ليُعْرَفَ الدخيل من الصريح، ففي معرفة ذلك فائدة جليلة: وهي أن يَحْتَرِس المشتقُّ، فلا يَجْعل شيئًا من لغة العرب لشيء من لغة العجم".
ويتحدث الجواليقي عن المذهب الصحيح الذي يراه في مثل هذه الألفاظ فيقول: "وذلك أن هذه الحروف بغير لسان العرب في الأصل فقالوا أولئك على الأصل، ثم لفظت به العرب بألسنتها، فعرَّبَته فصار عربيًا بتعريبها إياه، فهي عربية في الحال أعجمية الأصل" [١٩]. ونحن هنا لسنا بصدد تحقيق القول في قبول نظرية المعرَّب أو نفيها عن القرآن الكريم، وغرضنا أن نشير إلى ضرب من الخدمة اللغوية التي نهض لها علماء العربية في سبيل لغة القرآن، وتحليل أصولها.
ومن أمثلة ذلك قول صاحب "المُعَرَّب" [٢٠]: "وإبليس ليس بعربي، وإن وافق "أَبْلَس الرجلُ" إذا انقطعَتْ حُجَّتُهُ، إذ لو كان منه لصُرِفَ.
ومنهم مَنْ يقول: هو عربي، ويجعل اشتقاقه مِنْ أبلس يُبْلس، أي: يئس، فكأنه أَبْلَس مِنْ رحمة الله أي: يئس منها، والقول هو الأول".
- ٦وبعض دراسات اللغويين اختَصَّ "بغريب القرآن"؛ وذلك لأن القرآن قدَّم للعرب ثروة لغوية واسعة، فاختلف الناس في مستوى أفهامهم لهذه الثروة، ممَّا جعل اللغويين والمفسرين يعكفون على دراسة الغريب لبيان معانيه، والاستشهاد عليه بشعر العرب وأقوالهم. و من ذلك كتاب "تفسير غريب القرآن" لابن قتيبة، حيث يقول في مقدمته: "وكتابنا هذا مُسْتَنْبَط من كتب المفسرين وكتب أصحاب اللغة العالمين، لم نخرج فيه عن مذاهبهم، ولا تكلَّفْنا في شيء منه بآرائنا غيرَ معانيهم، بعد اختيارنا في الحرف أَولَى الأقاويل في اللغة وأشبهها بقصة الآية" [٢١].
لا شك في أن المتهم في هذه القضية الكارثية الكبرى ليس الحكام و لا الشباب المسلم المتطرف و إنما هم العلماء المسلمون المقصرون في أداء واجبهم كاملا تجاه لغة القرآن الكريم. و تصوروا معي أن يبرهن جميع علمائنا عن شجاعة أدبية نادرة، و يبادروا كلهم جميعا إلى تصحيح خطإ الإصرار على الخطإ فيتفقوا على ما ثبتت صحته بالحجة الدامغة و يعلنوها صحوة حقيقية صادقة و كلمة حق صادعة، و توبة نصوحا عن تقصيرهم في أداء أمانة البيان و التبليغ.. ثم يقولوا بلسان واحد موحِّد متحد على رؤوس الملإ :" نعم.. لا
( تيرورسم ) في الإسلام.. و ( الإرهاب ) دعامة للسلام.. و هو إعداد لقوة وقائية لا إعلان لحرب استباقية.. و هوتخويف عادل باحتمال وقوع الأذى على المعتدين لا على الأبرياء؛ و الغاية منه أن يحذر الناس بعضهم بعضا لا أن يقتل بعضهم بعضا...
فإن أخطر ما نتج عن الغلو في تأويل المفاهيم غلو في التطبيق كان أدهى و أمر؛ إذ لما استساغ العلماء المسلمون غلوهم في تأويل مفهوم مصطلح ( الإرهاب ) كان لا بد من أن يستسيغ المتنطعون و المتطرفون الجاهلون غلوهم في التطبيق، حتى إننا أصبحنا نسمع من يدعي جهارا نهارا أن الله يأمر المسلمين بكل أنواع (( التيرورسم )) البشعة، و أن ذلك من صميم الجهاد في سبيل الله ؛ لأن (( الإرهاب )) صار عندهم ندا للتيرورسم إن لم يكن هو الأسوأ !!
.. و اللهِِ لو اتفق العلماء على الرجوع إلى هذا الحق المبين، و ثابروا على بيانه و تبليغه إلى الناس كافة بجميع لغاتهم و لهجاتهم كما أمر الله - عز و جل - لاستتب الأمن و الأمان، و لتيسر تحقيق سلام إسلاميعالمي يسعد في كنفه كل الناس مهما اختلفت أجناسهم و لغاتهم و عقائدهم و أوطانهم.
@@@