-رحمهما الله -. وكانا قَدْ انتهت إليهما الرئاسة فِي هَذَا العِلْم وأشير إليهما بالأصابع فِي علو السن ورؤية المشايخ وكثرة التلاميذ وغزارة العلوم وارتفاع الأسانيد والوثوق فيهما، فقرأت عَلَيْهما وأخذت مِن كُلّ واحد مِنْهم حظاً وافراً بعون الله وحسن توفيقه، وقرأت عَلَى الأستاذ سَعِيد مصنفات ابن مهران، وروى لنا كتبَ أبي عَلِيّ الفسوي عَنْهُ، وقرأت عَلَيْهِ بلفظي كِتَاب الزجّاج فِي المعاني، وروايته عَن ابن مقسم عَنْهُ، وسمع بقراءتي الخلق
الكثير، ثُمَّ فرغت للأستاذ الإمام أبي إسحاق أحمد بن مُحَمَّد إبراهيم الثعلبي
- رَحِمَهُ اللهُ -، وكان حبر العلماء، بل بحرهم، ونجم الفضلاء بل بدرهم، وزين الأمة بل فخرهم، وواحد الأمة بل صدرهم، وله التفسير الملقب بـ" الكشف والبيان عَن تفسير القرآن "… وقرأت عَلِيهِ مِن مصنفاته أكثر مِن خمس مئة جزء، وتفسيره الكبير، وكتابه المعنون بـ " الكامل في علم القرآن " وغيرها )) (١).
بَعْدَ هَذَا كله نرى الواحدي قَدْ استفرغ وسعه في تحصيل العلوم عَن المشايخ الَّذِيْنَ أدركهم، وَقَدْ كَانَ لَهُمْ أثر مهم في تكوين شخصيته الثقافية والعلمية، وبهذا لايعدُّ
جزافاً قَوْل معاصره الباخرزي فِيهِ :(( وَقَد خبط ما عِنْدَ أَئِمَّة الأدب من أصول كلام العرب خبط عصا الراعي فروع الغرب، وألقى الدلاء في بحارهم حَتَّى نزفها ومد البنان إِلَى ثمارهم إِلَى أن قطفها )) (٢).
المبحث الثاني
تلاميذ الواحدي :
بعد أن أحسَّ الواحدي أنه مؤهل لإفادة الطلبة، أخذ في تدريس تلك العلوم الَّتِي أخذها عَن مشايخه، وظل عَلَى هذا الحال سنين متوا صلة (٣)، فلاغرابة في أن يتكاثر عَليهِ طلبة العلم ينهلون منه.

(١) معجم الأدباء ٤/١٦٦٢-١٦٦٣
(٢) دمية القصر : ٢٠٣
(٣) انظر : معجم الأدباء ٤/١٦٦٠، وبغية الوعاة ٢/١٤٣.


الصفحة التالية
Icon