وتارة لا تأتي العبارة صريحة بلفظ السببية، ولكن يؤتى بفاءٍ داخلةٍ عَلَى مادة نزول الآية عقب سرد الحادثة، وحكم هذا التعبير حكم الَّذيْ قبله. وَقَدْ يأتي بصيغة سؤال يسأل عَنْهُ رسول الله- ﷺ - فينزل عَلَيْهِ الوحي بجوابه من غَيْر تعبير بلفظ النزول ولا دخول الفاء، غَيْر أن السببية واضحة من المقام. وحكمها حكم ما قبلها. وأخرى لا يؤتى بشيء مِمَّا سبق، بَلْ يقال : نزلت هَذِهِ الآية فِي كَذَا، وهذه العبارة ليست نصاً
فِي السببية، بَلْ تحتمل السببية وتحتمل غيرها وَهُوَ أن هَذَا داخل فِي الآية وإن لَمْ يَكُنْ السبب، كَمَا يقال: عني بهذه الآية كَذَا (١). وَهِيَ موطن نزاع بَيْنَ الْعُلَمَاء، هَلْ لَهَا حكم الرفع أم لَهَا حكم الوقف (٢) ؟
المبحث الخامس
تعدد السبب والنازل واحد
قَد يرد للآية أكثر مِنْ سبب لنزولها، ويختلف الحال عِنْدَ المفسر تبعاً لعدة مرجحات، ولهذا تعددت صوره عَلَى النحو الآتي (٣) :
الأولى : أن يكون أحد الأسباب صحيحاً والأخر غير صحيح، فيكون الاعتماد حينها عَلَى الصحيح فِي معرفة سبب النزول.
الثانية : أن تكون كلا الروايتين صحيحة، ولكن لأحديهما مرجح دُوْنَ الأخرى، فحكمها الأخذ بالراجحة وترك المرجوحة.
الثالثة : أن تكون كلٌّ مِن الروايتين صحيحة، ولا مرجح لأحديهما، ولكن
يمكن الأخذ بهما معاً، وحكمها أن يؤخذ بكلا الروايتين.
الرابعة : أن تكون كلا الرِّوَايَتَيْنِ صحيحة، ولا مرجح لأحديهما، ولا يمكن الأخذ بِهِمَا معاً، فحكمها ان تحمل عَلَى تكرار النزول لتعدد السبب.
المبحث السادس
تعدد النازل والسبب واحد
(٢) المصدر نفسه.
(٣) انظر : الإتقان ١/٤، ومناهل العرفان ١/١١٦-١٢١.