لله وَكتابه وَرَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَذَلِكَ هُوَ الدَّين كَمَا صَحَّ عَن سيد الْمُرْسلين صلّى الله عَلَيْهِ وسلّم.
سخاء الشَّافِعِي:
قَالَ الْحميدِي: قدم الشَّافِعِي من صنعاء إِلَى مَكَّة بِعشْرَة آلَاف دِينَار فَضرب خباؤه خَارِجا من مَكَّة فَكَانَ النَّاس يأتونه فَمَا برح حَتَّى فرقها. وَقَالَ عَمْرو بن سَواد:
كَانَ الشَّافِعِي أسخى النَّاس بالدينار، وَالدِّرْهَم، وَالطَّعَام.
وَقَالَ البويطى: قدم الشَّافِعِي مصر وَكَانَت زبيدة ترسل إِلَيْهِ برزم الثِّيَاب والوشي فَيقسمهَا بَين النَّاس. وَقَالَ الرّبيع: كَانَ الشَّافِعِي رَاكِبًا على حمَار فَمر على سوق الحدادين فَسقط سَوْطه من يَده فَوَثَبَ إِنْسَان فمسكه بكفه وناوله إِيَّاه فَقَالَ لغلامه:
ادْفَعْ إِلَيْهِ الدَّنَانِير الَّتِي مَعَك فَمَا أدرى أَكَانَت سَبْعَة أَو تِسْعَة، قَالَ: وَكُنَّا يَوْمًا مَعَ الشَّافِعِي فَانْقَطع شسع نَعله، فاصلحه لَهُ رجل، فَقَالَ يَا ربيع: أمعنا من نفقتنا شىء؟
قلت: نعم. قَالَ: كم؟ قلت: سَبْعَة دَنَانِير. قَالَ: ادفعها إِلَيْهِ.
قَالَ أَبُو سعيد: كَانَ الشَّافِعِي من أَجود النَّاس وأسخاهم كفا، كَانَ يشترى الْجَارِيَة الصناع الَّتِي تطبخ وتعمل الْحَلْوَاء وَيَقُول لنا اشتهوا مَا احببتم فقد اشْتريت جَارِيَة تحسن أَن تعْمل مَا تُرِيدُونَ، فَيَقُول بعض أَصْحَابنَا: اعملي الْيَوْم كَذَا. وَكُنَّا نَحن نأمرها.
قَالَ الرّبيع: كَانَ الشَّافِعِي إِذا سَأَلَهُ إِنْسَان شَيْئا يحمار وَجهه حَيَاء من السَّائِل ويبادر بإعطائه.
أَقُول: أَيْن هَذَا السخاء وَهَذِه الْأَخْلَاق من سخاء وأخلاق بعض عُلَمَاء هَذَا الْعَصْر الَّذين جمعُوا بَين الشُّح وَسُوء الْخلق، وإيذاء النَّاس، وَحب الظُّهُور على أكتاف غَيرهم وإنزال «الضَّرَر والضرار» بِالْمُسْلِمين، مؤثرين مصالحهم الشخصية، على مصَالح غَيرهم، غير حاسبين أَي حِسَاب ليَوْم لَا ينفع فِيهِ مَال وَلَا بنُون إِلَّا من أَتَى الله بقلب سليم.
وَأَيْضًا أَقُول لمن يقلدون مَذْهَب هَذَا الامام الْعَظِيم أَن يتشبهوا بأخلاقه قبل أَن يظهروا التصوف بخفض أَصْوَاتهم والتقرب من الْعلمَاء الْأَعْلَام بِإِظْهَار الْوَرع وَالتَّقوى، والإيقاع بَين النَّاس بالدس والخديعة (يُخادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا.... الْآيَة)