(لِيَنْفِرُوا كَافَّةً «١» فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ: لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ «٢» : ٩- ١٢٢).»
«فَأَخْبَرَ «٣» اللَّهُ (عَزَّ وَجَلَّ) : أَنَّ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يَكُونُوا لِيَنْفِرُوا كَافَّةً قَالَ «٤» :(فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا «٥» ) فَأَخْبَرَ:
أَنَّ النَّفِيرَ عَلَى بَعْضِهِمْ دُونَ بَعْضٍ [وَ «٦» ] أَنَّ التَّفَقُّهَ إنَّمَا هُوَ عَلَى بَعْضِهِمْ، دُونَ بَعْضٍ.».
قَالَ الشَّافِعِيُّ «٧» :«وَغَزَا «٨» رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، وَغَزَا «٩»

(١) رَاجع فى السّنَن الْكُبْرَى (ج ٩ ص ٤٧) حَدِيث ابْن عَبَّاس فى ذَلِك: لفائدته.
(٢) ذكر فى الرسَالَة بَقِيَّة الْآيَة، ثمَّ قَالَ: «وغزا رَسُول الله، إِلَى آخر مَا سَيَأْتِي.
وَقد أَخّرهُ الْبَيْهَقِيّ: لكَونه دَلِيلا مُسْتقِلّا.
(٣) كَذَا بِالْأَصْلِ والرسالة (ط. بولاق) وَبَعض النّسخ الْأُخْرَى. وَهُوَ الْأَظْهر.
وفى نُسْخَة ابْن جمَاعَة: «وَأخْبر»
. وفى نُسْخَة الرّبيع: «وَأخْبرنَا». وفى بعض النّسخ:
«وَأخْبرهُ، أَو فَأخْبرهُ». وَلَعَلَّ الْهَاء زَائِدَة من النَّاسِخ.
(٤) هَذَا غير مَوْجُود فى نُسْخَة الرّبيع. وحذفه وَإِن كَانَ يرد كثيرا فى كَلَام البلغاء إِلَّا أَن إثْبَاته فى الْمسَائِل العلمية أولى وَأحسن.
(٥) هَذَا لَيْسَ بالرسالة.
(٦) زِيَادَة متعينة، عَن الرسَالَة
(٧) كَمَا فى الرسَالَة (ص ٣٦٥- ٣٦٦).
(٨) كَذَا بالرسالة. وفى الأَصْل: بِدُونِ الْوَاو. وزيادتها أولى ولعلها سَقَطت من النَّاسِخ.
(٩) كَذَا بِالْأَصْلِ وَجَمِيع نسخ الرسَالَة. وَقد أَبى الشَّيْخ شَاكر إِلَّا: أَن يرسمه بِالْيَاءِ وَتَشْديد الزاى على أَنه من الرباعي المضاعف بِمَعْنى: حمل غَيره على الْغَزْو. وَزعم: أَنه هُوَ الصَّحِيح، وَأَنه لَا يُعَارض رسم الرّبيع. وأكد ذَلِك: بِأَنَّهُ الْمُنَاسب لقَوْله: «وَخلف».
وَهَذَا مِنْهُ: تحكم غَرِيب، وَزعم جريىء لَا نعقل لَهُ معنى، وَلَا نجد لَهُ مبررا إِلَّا:
الرَّغْبَة فى إِظْهَار الْمعرفَة بِالْفرقِ بَين الثلاثي والرباعي. وَإِلَّا: فالثلاثى مَعْنَاهُ صَحِيح، ومحقق للغرض. وَهُوَ: بَيَان أَن النَّبِي فى غَزَوَاته، لم يكن يخرج بِجَمِيعِ أَصْحَابه بل كَانَ يكْتَفى بِالْبَعْضِ. وَهَذَا لَا يُنَازع فِيهِ منصف. وَأما الرباعي: فَمَعْنَاه قد يُوهم: أَن بعض الصَّحَابَة كَانُوا يخرجُون مَعَ النَّبِي، إِلَى الْغَزْو: كارهين لَهُ، وَغير راغبين فِيهِ. وَهَذَا لَا يَقُول بِهِ أحد. ثمَّ قد تمنع صِحَّته: بِأَن كثيرا-: من النِّسَاء وَالصبيان وَالْعَبِيد.- كَانُوا يخرجُون للْجِهَاد مَعَه فَهَل يُقَال: إِنَّه كَانَ يحملهم عَلَيْهِ. ؟!. ومناسبة أحد اللَّفْظَيْنِ لآخر: لَا تصلح مرجحا لتعينه، إِلَّا بعد الاطمئنان إِلَى صِحَة مَعْنَاهُ، واعتقاد: أَنه المُرَاد للمتكلم.
ثمَّ نقُول: إِن الإطالة فى مثل هَذِه الأبحاث اللفظية التافهة، عمل لَا يَلِيق بِالتَّعْلِيقِ على كتاب كالرسالة: يعْتَبر بِحَق أول مصدر أصولى، وَأجل أثر فنى قد احتوى على أهم الْمسَائِل العلمية، وَأعظم المشاكل الْفِقْهِيَّة الَّتِي لَا زَالَت بحاجة إِلَى حل وتوضيح، وَبسط وتفصيل. وَلَقَد كَانَ الأجدر بالشيخ (حفظه الله)، والمرجو مِنْهُ-: أَن يعْنى بهَا، ويحقق شَيْئا مِنْهَا وَيتْرك مَا أسرف فِيهِ، وَمَا لَا طائل تَحْتَهُ


الصفحة التالية
Icon