وقد أثير حول هذه المسألة جدل طويل وتساؤلات كثيرة، فيما إذا كان قد تمَّ الإسراء بالروح والجسد، أم بالروح فقط ؟. ولكن المتفق عليه لدى جمهور العلماء أنه تمَّ بالروح والجسد معاً، لأنه لو كان بالروح فقط لما أحدث خلافاً، إذ أننا نسري بأرواحنا كل ليلة عند نومنا. ومع ذلك فإن الَّذين يدركون شيئاً من طبيعة القدرة الإلهيَّة، لا يستغربون واقعة كهذه، لأن تلك القدرة إرادة نافذة، تهون أمامها جميع الأعمال الَّتي تبدو في نظر الإنسان صعبة أو مستحيلة، حسبما اعتاده ورآه، وقد صدق أبو بكر رضي الله عنه وهو يردُّ المسألة المستغرَبة عند القوم إلى بساطتها وطبيعتها فيقول: (إني لأصدِّقه بأبعد من ذلك، أصدِّقه بخبر السماء). وقد جزم جمهور علماء المسلمين على أن الإسراء كان بالروح والجسد يقظة لا مناماً، معتمدين على أدلَّة كثيرة منها:
١ ـ إن التسبيح والتعجُّب في قوله تعالى: ﴿سبحان الَّذي أسرى بعبده﴾ إنما يكون في الأمور العظام، ولو كان ذلك مناماً لذكره الله تعالى (كما ذكره عن إبراهيم وولده إسماعيل في قصَّة الذبح المعروفة) ولمَا كان له كبير شأن، ولما كان دليلاً على نبوَّة محمَّد ﷺ، ولا حجَّة له على صدقه في رسالته.
٢ ـ إن قوله تعالى: ﴿بعبده﴾ يدلُّ على مجموع الروح والجسد.
٣ ـ إن عملية الإسراء بهذه السرعة ممكنة في نفسها، بدليل أن الرياح كانت تسير بسليمان عليه السَّلام إلى المواضع البعيدة في الأوقات القليلة، قال تعالى: ﴿وَلِسليمانَ الرِّيحَ عاصفةً تجري بأمره إلى الأرضِ الَّتي باركْنَا فيها وَكُنَّا بكلِّ شيء عالمين﴾ (٢١ الأنبياء آية ٨١). (٢)
(٣). مسألة فرض الصلاة.
في حادثة الإسراء كان فرض الصلاة، وقد روي ﴿ أن النبي ﷺ كان يصلي قبل الإسراء صلاة العشي والإشراق ﴾.


الصفحة التالية
Icon