قد بينا تفسير هذه اللفظة في كتاب المشكلين بجميع وجوهها، وأوضحنا أن من معانيها خلق، ومنها أمر، ولا يجوز أن يكون معناها هاهنا إلا أمر، لأن الأمر يتصور وجود مخالفته، ولا يتصور وجود خلاف ما خلق الله، لأنه الخالق، هل من خالق غير الله، فأمر الله سبحانه بعبادته، وببر الوالدين مقرونا بعبادته، كما قرن شكرهما بشكره، ولهذا قرأها ابن مسعود : ووصى ربك.
وفي الصحيح عن أبي بكرة، قال رسول الله ﷺ :﴿ ألا أخبركم بأكبر الكبائر ؟ قلنا : بلى يا رسول الله. قال : الإشراك بالله، وعقوق الوالدين ﴾
وعن أنس في الصحيح أيضا :﴿ الإشراك بالله، وقتل النفس، وعقوق الوالدين ﴾.
ومن البر إليهما، والإحسان إليهما ألا نتعرض لسبهما، وهي :
المسألة الثانية : ففي الصحيح عن عبد الله بن عمرو أنه قال : قال رسول الله ﷺ :﴿إن من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه. قيل : يا رسول الله، وكيف يلعن الرجل [ ص: ١٨٥ ] والديه ؟ قال : يسب أبا الرجل فيسب أباه، ويسب أمه فيسب أمه ﴾.
حتى إنه يبره وإن كان مشركا إذا كان له عهد قال الله :﴿ لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين﴾ وهي :
المسألة الثالثة : قوله تعالى :﴿ إما يبلغن عندك الكبر أحدهما ﴾ : خص حالة الكبر، لأنها بطول المدى توجب الاستثقال عادة، ويحصل الملل، ويكثر الضجر، فيظهر غضبه على أبويه، وتنتفخ لهما أوداجه، ويستطيل عليهما بدالة البنوة، وقلة الديانة.
وأقل المكروه أن يؤفف لهما، وهو ما يظهره بتنفسه المردد من الضجر.
وأمر بأن يقابلهما بالقول الموصوف بالكرامة، وهو السالم عن كل عيب من عيوب القول المتجرد عن كل مكروه من مكروه الأحاديث.