فقد بينا في بحثنا المسمى أسماء الله الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة أن الأسماء المشهورة التي يحفظها الناس لأكثر من ألف عام ليست نصا من كلام النبي ﷺ وإنما هي اجتهاد قام به الوليد بن مسلم (ت: ١٩٥هـ) ثم ألحقه أو أدرجه مع قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ للهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمَا مِائَةً إِلاَّ وَاحِدًا)، وظن كثير من الناس أن الأسماء المشهورة من النص النبوي المرفوع. وبينا أيضا أن علماء الأمة على اختلاف مذاهبهم اتفقوا على أنه يجب الوقوف على ما جاء في الكتاب والسنة بذكر أسماء الله نصا دون زيادة أو نقصان؛ لأن أسماء الله الحسنى توقيفية لا مجال للعقل فيها؛ فدورنا حيال الأسماء الجمع والإحصاء ثم الحفظ والدعاء وليس الاشتقاق والإنشاء.
وكذلك ذكرنا أنه من الضوابط الأساسية في التعرف على أسماء الله الحسنى أن يرد الاسم بنصه في الكتاب والسنة، وأن يكون علما على ذات الله وليس فعلا أو وصفا لا يقوم بنفسه، وأن يرد الاسم في سياق النص مطلقا دون إضافة مُقَيِّدة أو قرينة ظاهرة، وأن يكون اسما على مسمى أو اسما دالا على الوصف بالتضمن، وأن يكون الوصف الذي دل عليه الاسم في غاية الكمال والجمال ؛ فلا يكون المعنى عند تجرد اللفظ منقسما إلى كمال أو نقص.
وقد انطبقت تلك الضوابط بالبحث الاستقصائي الحاسوبي على تسعة وتسعين اسما وردت بنصها في الكتاب وصحيح السنة تضاف إلى لفظ الجلالة، وتسمى هذه الأسماء بالأسماء الحسنى المطلقة التي تفيد المدح والثناء على الله بنفسها، وعددها ٩٩ اسما تضاف إلى لفظ الجلالة وهي حسب الترتيب الاجتهادي المختار :
الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ المَلِكُ القدُّوسُ السَّلامُ المُؤْمِنُ المُهَيْمِنُ العَزِيزُ الجَبَّارُ المُتَكَبِّرُ الخَالِقُ البَارِئُ المُصَوِّرُ الأوَّلُ الآخِرُ الظاهِرُ البَاطِنُ السَّمِيعُ البَصِيرُ المَولَى النصِيرُ العَفُوُّ القَدِيرُ اللطِيفُ الخَبِيرُ الوِترُ الجَمِيلُ الحَيِيُّ السِّتيرُ الكَبِيرُ المُتَعَالُ الوَاحِدُ القَهَّارُ الحَقُ المُبِينُ القَوِيُّ المَتِينُ الحَيُّ القَيُّومُ العَلِيُّ العَظِيمُ الشكُورُ الحَلِيمُ الوَاسِعُ العَلِيمُ التَّوابُ الحَكِيمُ الغَنِيُّ الكَرِيمُ الأَحَدُ الصَّمَدُ القَرِيبُ المُجيبُ الغَفُورُ الوَدودُ الوَلِيُّ الحَميدُ الحَفيظُ المَجيدُ الفَتَّاحُ الشهيدُ المُقَدِّمُ المُؤخِّرُ المَلِيكُ المُقْتَدِرْ المُسَعِّرُ القَابِضُ البَاسِطُ الرَّازِقُ القَاهِرُ الديَّانُ الشاكِرُ المَنانُ القَادِرُ الخَلاَّقُ المالِكُ الرَّزاقُ الوَكيلُ الرَّقيبُ المُحْسِنُ الحَسيبُ الشافِي الرِّفيقُ المُعطي المُقيتُ السَّيِّدُ الطيِّبُ الحَكَمُ الأكرَمُ البَرُّ الغَفارُ الرَّءوفُ الوَهَّابُ الجَوَادُ السُّبوحُ الوَارِث الرَّبُّ الأعلَى الإِلَهُ.
وتلك النتيجة في حد ذاتها إعجاز نبوي يصدق ما ورد في قوله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمَا).
غير أن الأعجب من ذلك أننا لما بحثنا بحثا منهجيا حاسوبيا عن باقي الأسماء التي وردت بنصها في الكتاب وصحيح السنة ولها حالات مخصوصة ـ وهي الأسماء المقيدة أو الأسماء غير المطلقة ـ كانت المفاجئة ظهور إعجاز نبوي آخر ينضم إلى ما سبق ؛ فقد أظهرت نتيجة البحث أن عددها الثابت الصحيح الذي ورد بنصه تسعة وتسعون اسما أيضا أو مائة إلا واحدا كما ورد في الحديث.
ولمزيد من البيان فالأسماء المقيدة هي تلك الأسماء التي وردت في الكتاب والسنة وتفيد المدح والثناء على الله بغيرها، إما بإضافة ظاهرة أو تقييد مخصوص في اللفظ أو عند انقسام المعنى، فيظهر بالتقييد حسن الأسماء وكمالها، والتقييد في الأسماء الثابتة بنص القرآن والسنة يرد على ثلاثة أنواع :
النوع الأول :- التقييد الصريح كما في قوله تعالى :(إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ) (السجدة: ٢٢)، فاسمه المنتقم مقيد بالمجرمين، ولا يصح الإطلاق الذي يعم أو يتناول الأنبياء والمرسلين؛ لأنه يناقض معنى الحسن في أسمائه تعالى، ويقاس على ذلك التقييد في أسمائه : الخادع فإنه مقيد بالمنافقين ولا يجوز بغير ذلك، وكذلك عدو الكافرين ومخزيهم ومهلكم ومعذبهم.. إلخ، فمثل هذا النوع من التقييد ينبغي أن يذكر كما ورد النص به؛ مقرونا فيه الاسم بغيره من الإضافة أو التقييد أو التخصيص ؛ فالله جل جلاله هو الحفي بنبيه إبراهيم u، وهو الصَّاحِبُ في السَّفَرِ والخليفة في الأهل والغالب عَلَى أَمْرِهِ والفعال لما يريد، والقائم على كل نفس بما كسبت، وهو كاشف الضر، وهو المقلب لقلوبنا والمصرف والمثبت لها، وهو المستعان على أمورنا، وهو الناصر لأنبيائه، والصانع لما شاء، والمحيط بكل شيء... إلخ


الصفحة التالية
Icon