العقم والعُفر.... بين الطب والقرآن
أ. د / كريم حسنين إسماعيل عبد المعبود
أستاذ بكلية الطب جامعة عين شمس
وعضو مجلس إدارة جمعية الإعجاز العلمي للقرآن والسنة
مقدمة: من الحقائق التي قد تغيب عن بعض الأذهان أنه لا ينبغي لأحدٍ الاعتقاد بجواز وجود ترادف في ألفاظ الآيات القرآنية الكريمة، وهو ما ذهب إليه الإمامان ابن تيمية ومحمد عبده [ ١٠، ١١] (١)وهو منطلق الحديث الحالي، فقد قمنا بمراجعة ما ورد في المعاجم اللغوية وشروح الآيات الكريمة، في محاولة لاستقراء أية فروق في الدلالة بين التعبيرين ( العُقم ) و ( العقر )، وهما تعبيران عريقان في اللغة العربية، ومعناهما عدم القدرة على الإنجاب، فلا تحمل المرأة ولا يولد للرجل، والصفتان هما: عاقر وعقيم، على الترتيب [ ١٢ ـ ١٦ ]. وبالرغم من اشتراكهما في المعنى، إلا أنه لم يرد ما يوضح بجلاء الفرق بين دلالة التعبيرين ( العقم ) و ( العقر ) في معاجم اللغة القديمة والحديثة حيث قيل: والعقر والعقر: العقم، وهو استعقام الرحم، وهو ألا تحمل [ ١٢ ].
وقيل: عقر وعقر وعقر، فهو عاقر: عقم، لم يولد [ ١٦ ]، وهذا وقد ورد التعبيران في آيات قرآنية عديدة، فورد التعبير ( عاقر )، وهو اشتقاق من التعبير الأول ( العقر )، في ثلاثة مواضع بالقرآن الكريم في سياق قصة زكريا عليه السلام، قوله تعالى: ) هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ (٣٨) فَنَادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيّاً مِنَ الصَّالِحِينَ (٣٩) قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ (٤٠) ([آل عمران].
وقوله تعالى: ) كهيعص (١) ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (٢) إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيّاً (٣) قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيّاً (٤) وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً (٥) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آَلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيّاً (٦) يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيّاً (٧) قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيّاً (٨) قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً (٩) ([سورة مريم].
بينما ورد التعبير: ( عقيم )، وهو اشتقاق من التعبير الثاني: ( العقم )، في أربعة مواضع بالقرآن الكريم، واحد منها في سياق قصة سيدنا إبراهيم عليه السلام، وهو قوله تعالى: )فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ (٢٩) ([سورة الذاريات].
والثلاثة مواضع الأخرى في قوله تعالى: ) لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ (٤٩) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (٥٠) ([سورة الشورى].
وقوله تعالى: ) وَلا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ (٥٥) ([ سورة الحج].
وقوله تعالى: ) وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ (٤١) ([سورة الذاريات].
وقد خلط بعض المفسرين أيضاً، بين مدلول الصفتين، في شروح الآيات، وذهبوا إلى أن (عاقر ) تعني ( عقيم ).
ففي سورة آل عمران ( ٤٠ ) قال القرطبي: أي: عقيم لا تلد [ ٣ ].
وقال الألوسي: والعاقر ـ العقيم ـ التي لا تلد، من العقر وهو القطع، لأنها ذات عقر من الأولاد [ ٧ ].
وكذلك في سورة مريم ( ٥، ٨ ).
قال القرطبي: إن امرأته كانت عقيماً لا تلد [ ٣ ].
وفي سورة الذاريات ( ٢٩ ) قال الألوسي وأبو السعود: أي: أنا عجوز عاقر فكيف ألد [ ٨ ـ ٧ ].


الصفحة التالية
Icon