وقال المفسرون في شرح الآية الكريمة: يعني بقوله جل ثناؤه: إن شانئك إن مبغضك [ ٢ ـ ٨ ] يا محمد وعدوك [ ٢ ] ومبغض ما جئت به من الهدى والحق [ ٤ ] هو الأبتر، أي: الأقل والأذل [ ٢، ٤ ] والمنقطع عقبه [ ٢ ]، أي: الذي لا عقب له [ ٢، ٥، ٦، ٧، ٨ ]، حيث لا يبقى منه نسل [ ٥، ٧، ٨ ] أو ولد [ ٢ ]، والمنقطع ذكره [ ٤، ٦ ] بعد موته [ ٦ ]، فلا يبقى منه حسن ذكر [ ٥، ٧، ٨ ]، فهو منقطع عن الخير على العموم، ومنع خيري الدنيا والآخرة [ ٦ ].
وعليه، فإن كلاً من ( العقيم ) و ( الأبتر ) يدل على القطع والانقطاع، و( العقيم ) أشد، حيث لا يولد للمرء فهو مقطوع النسل، بينما ( الأبتر ) يولد له ولكن الذكور من أولاده يموتون في حياته، وقبل أن تكون لهم ذرية، فلا يعقبه أحد، فهو منقطع الذكر.
( ب ) في الحديث الشريف: ( العقل عقلان، فأما عقل صاحب الدنيا فعقيم، وأما عقل صاحب الآخرة فمثمر ).
والعقيم هاهنا الذي لا ينفع ولا يرد خيراً على المثل [ ١٢ ]، أي: أنه غير منتج [ ١٦ ]، فـ (العقم ) يقطع الخير والإنتاج، والعقل العقيم لا يثمر كالإنسان العقيم لا نسل له.
( جـ ) داء عقام وعقام: لا يبرأ [ ١٢ ـ ١٤ ]، ورجل عقام: رجل لا يولد له [ ١٢ ـ ١٤ ].
وقال أبو دهبل يمدح عبد الله بن الأزرق المخزومي:
عقم النساء فلا يلدن شبيهه إن النساء بمثله عقم [ ١٢ ]
وقد ورد هذا البيت في التفاسير في شرح الآية ( ٥٠ ) من سورة الشورى [ ٣، ٦ ].
ويلاحظ أن الشاعر قد أتى بلفظي ( عقم ) و ( عقم ) من مادة ( عقم )، وهذا يتفق مع ما يذهب إليه الباحث لأنها تفيد مطلق عدم قدرة النساء على ولادة شبيهة لأن ( العقم ) لا يبرأ منه، فلم يأت الشاعر بالمشتقات من مادة ( عقر ) لأن ( العقر ) من الممكن زواله وولادة شبيهة.
( ٢ ) ( العقم ) في الآيات الكريمة:
( أ ) في سورة الذاريات ( ٢٩ ): قيل: العقيم: التي لا تلد [ ٢ ]، أي: قالت أنا عجوز عقيم، فكيف ألد [ ٣ ـ ٨ ]، كما حكى الله تعالى عنها قولها: ) قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخاً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ (٧٢) ([سورة هود]:[ ٣ ] فاستبعدت ذلك لوصفين من اجتماعهما:
أحدهما: كبر السن.
والثاني: العقم [ ٥، ٦]، لأنها كانت لا تلد في صغر سنها، وعنفوان شبابها، ثم عجزت وأيست فاستبعدت [ ٥ ]، وكان بين البشارة والولادة سنة، وكانت سارة لم تلد قبل ذلك [ ٣ ] فولدت وهي بنت تسع وتسعين سنة، وإبراهيم عليه السلام يومئذٍ ابن مئة سنة [ ٣، ٦ ].
وجاء في شروح قوله تعالى: ) قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخاً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ (٧٢) ([سورة هود]: وقدمت بيان حالها إذ ربما يولد للشيوخ من الشباب، أما العجائز فداؤهن عقام، ولأن البشارة متوجهة إليها صريحة [ ٧، ٨ ].
وهذه المعاني تؤيد ما يراه الباحث، وخاصة اقتران كبر السن بالعقم.
قوله تعالى: )عجوز عقيم (، حيث يحدث تغير وظيفي طبيعي مع تقدم العمر يشمل ضمور المبيضين وخلوهما من النطف ( البيضات ) ببلوغ سن الإياس ( أو اليأس ) في المرأة، أي: انقطاع الحيض، وبالتالي تفقد المرأة ـ بصفة نهائية ومطلقة ـ قدرتها على الحمل [ ٢٢ ].
والارتباط بين انقطاع الحيض في النسوة العجائز وعدم القدرة على الإنجاب حقيقة معروفة منذ زمن طويل، ومما يدل على ذلك شروح بعض المفسرين لقوله تعالى: ) وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ (٧١) ([ سورة هود ]حيث قيل: قوله تعالى: ) فَضَحِكَتْ (بمعنى: حاضت [ ٢، ٣، ٥ ـ ٨ ]، ونقل ذلك عن مجاهد [ ٢، ٣، ٥ ـ ٨ ]، وعكرمة [ ٣، ٥ ـ ٧ ] وابن عباس وابن عمر [ ٧ ].
( ب ) في سورة الشورى ( ٤٩، ٥٠ ): قيل: معنى الآيات هو: فيهب لبعض إما صنفاً واحداً من ذكر أو أنثى وإما صنفين، ويعقم آخرين [ ٨ ].
وقوله تعالى: )عقيماً (، أي: يمنعه هذا وهذا فلا نسل له [ ٤ ]، أي: لا يولد له [ ٣ ـ ٧ ] ذكر ولا أنثى [ ٦ ].
ومما يدل أيضاً، على صحة مذهب الباحث ما ورد في التفاسير من أن هذه الآية نزلت في الأنبياء ـ عليهم السلام ـ خصوصاً، وإن عم حكمها: وهب للوط وشعيب الإناث ليس معهن ذكر، ووهب لإبراهيم الذكور ليس معهم أنثى، ووهب لآدم وإسماعيل وإسحاق ومحمد الذكور والإناث وجعل عيسى ويحيى عقيمين [ ٣ ـ ٨ ].