الفوقانية والتحتانية هما مجالي _ إن جوزنا أن نسميهما مجالي _ رحمة الله وعذابه إذ يقول تعالى في الرحمة ﴿ ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم منهم أمة مقتصدة وكثير منهم ساء ما يعملون ﴾.. المائدة (٦٦) وقال تعالى في العذاب ﴿ قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض ﴾.. الأنعام (٦٥)
٣. قال تعالى :﴿ واشتعل الرأس شيبا ﴾.. مريم (٤).. ما الحكمة من لفظ (اشتعل ) في الآية.. ؟؟؟
الاشتعال هو عملية تحول المادة المشتعلة من حالة إلى حالة أخرى مع استحالة رجوعها للحالة الأولى أي حالة ما قبل الاشتعال.. وهذا التصور والوصف ينطبق على السواد الشعر وبياضه أي أن البياض محال أن يعود سوادا.. وهنا لطيفة أخرى في الآية.. وهي أن هنالك جدلا فلسفيا ذكر في _ تهافت الفلاسفة _ للغزالي.. حول هل البياض عرض أم جوهر أم هل السواد عرض أم جوهر وإذا حل البياض فأين ذهب السواد وأين كان البياض قبل المشيب.. الخ ؟؟؟ ويبدو أن القرآن قل حل المشكلة وببساطة إذ أن لفظة الشيب جاءت نكرة وما كان نكرة لم يكن أصلا للشيء أي لم يكن من جوهر الشيء.. وعليه فالمشيب عرض ككل الأعراض التي تبدو عندما يكون هنالك ما يفضي لها..
٤. قال تعالى :﴿ وداعياً إلى الله بإذنه وسراجا منيرا ﴾.. الأحزاب.. السراج لا يكون إلا مضيئاً فلم قال تعالى هنا سراجا منيرا.. ؟؟؟
مما هو معلوم أن الضوء هو امتزاج الحرارة بالنور لقوله تعالى في الشمس ﴿ هو الذي جعل الشمس ضياء﴾ والنور هو تجريد الضوء من الحرارة لقوله تعالى في القمر ﴿ والقمر نورا ً﴾، والحرارة سلب والنور إيجاب لذلك جاء تعالى بلفظ (منيرا ) لاشتمال مضيئاً على جانب سلبي وهو النار وهذا لا يليق بالنبي ﷺ..
٥. قال تعالى :﴿ وإذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار قالوا ربنا لا تجعلنا مع القوم الضالين ﴾ لماذا جاء الفعل _ صرفت _بصيغة المبني للمجهول فكأنها قد صرفت دون إرادتهم.. ؟؟؟
قبل هذه الآية قال تعالى :﴿ ونادوا أصحاب الجنة أن سلام عليكم لم يدخلوها وهم يطمعون ﴾ وهذا القول تم بإرادتهم إذ رؤية النعيم نعيم.. أما بالنسبة للنظر لأصحاب النار فهو عن غير إرادة وغير اختيار منهم إذ النظر إلى العذاب عذاب فالذي صرفها لرؤية أصحاب النار هو الله تعالى بإرادته واختياره..
٦. قال تعالى :﴿ وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمرا حتى إذا جاءوها فتحت أبوابها وقال لهم خزنتها ألم يأتكم رسل منكم يتلون عليكم آيات ربكم …. الآية ﴾ ثم قال تعالى ﴿ وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها وقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين ﴾. الزمر ( ٧٢-٧٣) ما الحكمة من دخول ( الواو ) ﴿ وفتحت ﴾ في أصحاب الجنة وعدم دخولها ﴿ فتحت ﴾ في أصحاب النار …؟؟؟
عملت ( الواو )هنا عملا بالغ الضرورة إذ أن أصحاب النار قد سيقوا إلى جهنم وهي بعد لم تفتح حتى إذا وقفوا على أبوابها فتحت عن جملة عذابها فكان هذا عذابا ضعفا عليهم.. أما أصحاب الجنة فقد سيقوا إلى الجنة وأبوابها قد فتحت لهم قبل مجيئهم أي أن تقدير الآية ﴿ حتى إذا جاءوها وقد فتحت أبوابها …﴾ وهذا من زيادة الترحيب بأهل الجنة وتعجيل البشارة لهم.. وبالتالي فقد أشارت هذه (الواو )إلى عذاب أهل النار المضاعف.. ونعيم أهل الجنة المضاعف..
٧. قال تعالى:﴿ قال رب إني دعوت قومي ليلا ونهارا فلم يزدهم دعائي إلا فرارا ﴾.. نوح (٥-٦) لماذا قدم نوح دعوة الليل على دعوة النهار.. ؟؟؟
يقال " عند الليل يعود الملحد نصف مؤمن بالله " إذ النفس في الليل أقرب لله تعالى منها في النهار باعتباره محل السكون ومبعث التأمل والتفكر في النفس وفي ملكوت السماوات والأرض وباعتبار النهار محل العمل والحركة والاضطراب الشاغل عن التفكر.. فكانت دعوة الليل أقرب لبلوغ القلوب من دعوة النهار وهذا أمر واضح بيّن حتى عند من يدعون الناس لله إذ من الكياسة والدراية أن يتحينوا أوقات سكون النفس وليس هنالك كالليل سكون للجسد ويقظة للروح


الصفحة التالية
Icon