ولنا أن نسأل لماذا جاء تعالى بهذا اللفظ الموحي بلباب الشيء وأعني به " الكسر الغير بائن " ذلك لأن العروة الوثقى كما يقول ابن عباس هي " لا إله إلا الله " وهذه هي لباب الدين وقاعدته التي يقوم عليها منهج الله تعالى وهذه العروة لا انفصام لها لأنها دين الوجود قبل أن تكون منهج الرسل والله يقول :﴿ وله أسلم من في السماوات والأرض﴾ وقال تعالى﴿كل له قانتون﴾وقال أيضاً﴿ولله يسجد ما في السماوات والأرض﴾ وهي العهد الذي أخذه الله على بني آدم قبل أن يخلقوا :﴿ ألست بربكم قالوا بلى﴾ لذلك قال تعالى في هذه العروة أن لا انفصام لها لأن لبابها " لا إله إلا الله " ومن لطائف القرآن أن الحق سبحانه وصف الإيمان بأنه﴿العروة﴾والعروة في اللغة هو النبات الذي ينموا في الصحارى والقفار مما تتغذى عليه الإبل المرتحلة وهي إشارة إلى أن لهذا النبات جذورا متصلة بالأرض بكيفية تختلف عن غيره فبقيت حية تقاوم هجير الصحاري وهذا التشبيه ينطبق على جذور الإيمان في القلب بالفطرة التي فطره الله عليها حتى قبل الرسل وفي الأثر ((كل مولود يولد على الفطرة )).
٣. قال تعالى:﴿ فلما اعتزلهم وما يعبدون من دون الله وهبنا له إسحاق ويعقوب وكلا جعلنا نبيا ﴾ [مريم : ٤٩] ما الحكمة من أن الله تعالى قد وهب له بعد أن اعتزلهم أو إلى ماذا تشير ﴿ فلما اعتزلهم ﴾.. ؟؟؟
ج. كما أن الشر قد يصيب أهل الصلاح بصحبة الأشرار ومعاشرتهم فكذلك الخير فقد يرزق الله تعالى المؤمن لما يعتزل أهل الكفر.. وبالتالي فقد يرزق المرء بالصحبة المؤمنة كما قد يسخط الله عليه بالصحبة الكافرة.. وقد يكون اعتزال ملة الكفر فاتحة خير على المؤمن.. قال تعالى على لسان يوسف ﴿ إني تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله ﴾[يوسف: ٣٧].
٤. قال تعالى:﴿واسترهبوهم وجاؤوا بسحر عظيم ﴾ [الأعراف: ١٦١] لماذا قال تعالى واسترهبوهم ولم يقل وأرهوبهم.. ؟؟؟
ج. ذلك لأن الرهبة شيء والاسترهاب شيء آخر، الرهبة لا تكون إلا مما كان مشتملا على جوانب الرهبة في ذاته لذلك قال تعالى عن نفسه ﴿ وإياي فارهبون ﴾ أما استرهب فهي استجلاب للرهبة أو تصنع لها، ولما كانت حبال السحرة والعصي ليست في حقيقتها سوى حبال وعصي لكن يخيل للناس أنهى أفاع تسعى فقد خرجت عن حقيقة ما يرهب فانتفت على هذا الأساس حقيقة الرهبة فكانت استرهابا لا رهبة..
٥. قال تعالى:﴿ لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون ﴾[ يس : ٤٠] ماذا يعني لفظ ﴿ ولا الليل سابق النهار ﴾ في الآية.. ؟؟؟
ج. لو قلنا أن طلوع الشمس يأتي بالنهار.. فقولنا صواب لا مماراة فيه.. لكن لو قلنا أن أفول الشمس يأتي بالليل سيكون قولنا خطأ.. لماذا.. ذلك لأن الليل موجود في النهار وفي الليل وهو عند غياب الشمس أبين وعند ظهورها أقل بيانا لذلك قال تعالى ﴿ وآية لهم الليل نسلخ منه النهار فإذا هم مظلمون﴾[يس: ٣٧]. فهو لا يسبق النهار لأنه موجود أصلا في النهار..
٦. قال تعالى:﴿ والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام والنار مثوى لهم ﴾ [محمد: ١٢] لماذا قال تعالى ﴿ كما تأكل الأنعام ﴾ فقط ولم يذكر التمتع كما قال في الكفار ﴿يتمتعون ويأكلون ﴾والمقابلة تقتضي كمال الوصف.. ؟؟؟
ج. ذلك لأن الأكل حالة تتعلق بضرورة جسدية بحتة لا يختلف فيها كائن عن كائن وهو بذلك سنة من سنن الحياة التي لا تقبل المغايرة بين مخلوق ومخلوق، أما مسألة التمتع فهي تقتضي ذوقا وحسا أرقى مما عند الحيوان وهذا لا يوجد إلا عند الإنسان فاقتصر في الحيوان على ذكر الأكل بينما تعداها للتمتع عندما ذكر الإنسان، على أن هنالك فرق بين اللعب والتمتع فكثيرا ما نرى حيوانات تقفز وتلعب لكن اللعب فيض حياتي والمتعة فيض شعوري..
٧. قال تعالى:﴿ وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ﴾[ الأنبياء: ٨٧] هل من الممكن أن تلقي هذه الآية في خيال قارئها أن هذا كان ظن ذا النون بالله تعالى أي " لن يقدر الله عليه ".. ؟؟؟
ج. الآية لا تحمل على هذا المحمل ولا تفهم بهذه الصيغة إذ لا يجوز أن نتصور أن نبي يظن أن لن يقدر الله عليه، أما كلمة ﴿ نقدر ﴾ تحتمل عدة معان ومن معانيها ( نقّدر ) بالتشديد ومن معانيها ( نضيق ) والله يقول ﴿ وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربي أهانن ﴾ [الفجر: ١٦] فتقدير الآية أنه ظن أن لن نقدّر عليه هذا القدر المتمثل بالتقام الحوت له، وتحتمل أيضا " أن لن نضيق عليه لما حبسناه في بطن الحوت "..
٨. قال تعالى:﴿ ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة ولكن كره الله انبعاثهم ﴾ [التوبة: ٤٦] وقال تعالى ﴿ وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ﴾ [الأنفال: ٦٠ ]في الأولى ينكر عليهم إعداد العدة وفي الثانية يحرض عليها فهل هذا تناقض.. ؟؟؟


الصفحة التالية
Icon