ج. الحق سبحانه إذا ما ذكر قضية ما في القرآن فهو يأتي بكل وجوهها الممكنة لها فهنا ذكر العقيم لأنه سبحانه قد ذكر في الحجر اللواقح فقال﴿وأرسلنا الرياح لواقح ﴾فقابل اللقاح العقم..
١٥. قال تعالى:﴿الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور والذين كفروا أوليائهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون﴾[البقرة : ٢٥٨].. لكن متى كان الذي آمنوا في ظلمة ومتى كان الذين كفروا في نور.. ؟؟؟
ج. الآية تحتمل أحد الصيغتين.. أولا أراد الحق سبحانه بالظلمات التي يخرج المؤمنين منها هي سبل الظلال ومزالق الكفران التي ينجي الله المؤمن منها بما وقر في صدورهم من إيمان لذلك قال تعالى﴿إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم﴾ يونس.. بينما كان النور الذي يخرج الطاغوت أهل الكفر منه هو السبل المفضية للهداية كصحبة المؤمنين والاستماع للقرآن وهي نور من حيث أنها قد توصل للهداية لذلك كان أهل الكفر يقولون﴿لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه﴾آل عمران.. والصيغة الثانية التي تحتملها الآية هي أن المراتب الإنسانية ثلاث فصلها قوله تعالى ﴿ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها﴾فنفس مجبولة على الفجور شيطانية، ونفس مؤمنة ملائكية، ونفس فطرية سوية بين هذا وذاك إذن ﴿سواها﴾ هذه نفس وهي النفس السوية بالفطرة و﴿فجورها﴾هذه نفس و﴿تقواها﴾هذه أيضا نفس والإيمان هو الارتفاع عن المرتبتين السابقتين والفجور انحدار عن هاتين المرتبتين.. فصارت النفس الفطرية بالنسبة للنفس التقوية ظلمة باعتبارها أدنى منها منزلة وصارت بالنسبة للفجور نور باعتبارها خير منها.. فالله يخرج الذين آمنوا من ظلمة النفس الفطرية لنور النفس الملائكية والطاغوت يخرج الذين كفروا من نور النفس الفطرية لظلمة النفس الفاجرة..
١٦ قال تعالى:﴿ ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ﴾ إن كانوا في نعمة أصلا فما الذي يدفعهم لمغالبة أنفسهم على التغيير لينعم الله عليهم وهم بعد في نعمة كما ذكر تعالى.. ؟؟
ج. هذا يعتمد على مفهوم المسلم للنعمة.. فهل النعمة هي كل ما يرتضيه المسلم ويراه مناسبا وموافقا لرغبته.. فإن قلنا أن هذه هي النعمة فقد صارت النعمة هي كل زيادة من الله للإنسان في ماله وأملاكه وأولاده وحرثه.. لكن ألم يقل الله تعالى:﴿نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون﴾المؤمنون.. وألم يقل الله﴿نمدهم في طغيانهم يعمهون﴾ وألم يقل الله ﴿سنستدرجهم من حيث لا يعلمون﴾وهل كنوز قارون نعمة أم استدراج وملك فرعون نعمة أم استدراج.. لا بل هل مرض أيوب نقمة أم تكريم وهل إلقاء إبراهيم في النار نقمة أم رفعة.. إذن فالنعمة بمفهومها الصحيح هي كل ما ينيب ويرجع العبد لله فقد يرجع العبد إلى الله حين الكرب والشدة كما قد يرجع إلى الله حين الرخاء والميسرة وهنا صارت الآية تتكلم عن ابتلاء قد أنعم الله به على عباده ليرجعوا إليه حتى إذا تغيرت نفوسهم بعد ما زكتها محنة الابتلاء أنعم الله عليهم بما يرتضيه الله لهم وبما ترتضيه نفوسهم..
١٧ قال تعالى﴿فأوحينا إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم﴾[الشعراء : ٦٣ ].. وقال تعالى في سورة طه﴿ولقد أوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي فاضرب لهم طريقا في البحر يبسا لا تخاف دركا ولا تخشى﴾[سورة طه : ٧٧] لماذا تغيرت الصيغة بين الآيتين.. ؟؟؟
ج. الأولى قد جاءت بعمومية القضية أي أن الله نجّا موسى من فرعون أي أعز المؤمنين وأخزى أهل الشرك.. أما في الثانية فقد اقتضت هذا الوصف لدخول جزئية جديدة على سياق القصة وهي معيّة الله﴿قال كلا إن معي ربي سيهدين.. فأوحينا إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر ……. الآية﴾فجاء التصوير القرآني ليناسب بين عظمة الوصف وثقل هذه الجزية أي معية الله تعالى..
١٨ قال تعالى ﴿ وإذ واعدنا موسى أربعين ليلة ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون ﴾[البقرة: ٥١].. وقال تعالى ﴿ وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر فتم ميقات ربه أربعين ليلة ﴾ [الأعراف: ١٤٢] لماذا جاءت الأربعين ليلة مجمل في الأولى لتأتي مفصلة في الثانية.. ؟؟؟