- فقد يبدو أن المناسبة تقضي أن يقال فالبسها الله لباس الجوع ولكن إيثار الذوق هنا لأن الجوع يشعر به ويذاق وصح أن يكون للجوع لباس لان الجوع يكسو صاحبه بثياب الهزال والضنى والشحوب. --- وقد يشتد وضوح الأمر المعنوى في النفس ويقوى لديها قوة تسمح بان يكون اصلا يقاس عليه كما ترى ذلك في قوله سبحانه-ayah text-primary">﴿ وأنا لما طغى الماء حملناكم في الجارية﴾ فهنا كان الطغيان المؤذن بالثورة والفوران أصلا يشبه به خروج الماء عن حده لما فيه من فورة واضطراب....
- وعلى النسق جاء قوله تعالى﴿ وأما عاد فاهلكوا بريح صرصر عاتيه﴾ فهذه الريح المدمرة يشبه خروجها عن حدها العتو والجبروت -وقد يحسم القرآن المعنى ويهب للجماد العقل والحياة زيادة في تصوير المعنى وتمثيله للنفس وذلك بعض مايعبر عنه البلاغيون بالاستعارة المكينة..
- ومن أروع هذا التجسيم قوله سبحانه﴿ ولما سكت عن موسى الغضب اخذ الالواح﴾ ألا تحس بالغضب هنا وكأنه إنسان يدفع موسى ويحثه على الانفعال والثورة ثم سكت وكف عن دفع موسى وتحريضه..
- ومن تعقيل الجماد قوله سبحانه﴿ ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا آتينا طائعين﴾ وفي ذلك التعبير ما يدل على خضوعهما واستسلامهما...
- وقوله سبحانه﴿ فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقص فأقامه﴾
- وكأنما الجدار لشدة وهنه وضعفه يؤثر الراحة لطول مامر به زمن وقوله تعالى ﴿وللذين كفروا بربهم عذاب جهنم وبئس المصير اذا القوا فيها سمعوا لها شهيقا وهي تفور تكاد تميز من الغيظ كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير﴾
- فهذا التمّيز من الغيظ يشعر بشدة ما جناه أولئك الكفرة حتى لقد شعر به واغتاظ منه هذا الذي لايحس وعلى هذا النسق قوله سبحانه ﴿كلا إنها لظى نزاعة للشوى تدعو من ادبر وتولى ﴾ ألا تحس في هذا التعبير كأن النار تعرف أصحابها بسيماهم فتدعوهم إلى دخولها ومنه قوله تعالى﴿ حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت﴾
- وفي ذلك ما يشعرك بالحياة التي تدب في الأرض حين تاخذ زخرفها وتتزين هذا...........
- وقد كثر الحديث عن قوله سبحانه﴿ واخفض لهما جناح الذل من الرحمة﴾ ورووا ما يفهم منه أن أبا تمام قلد هذا التعبير فقال
لا تسقنى ماء الملام فإنني صب قد استعذبت ماء بكائى
حتى انه يروى أن أحدهم أرسل إليه زجاجة يطلب منه فيها شيئا من ماء الملام فقال ابو تمام حتى تعطيني ريشة من جناح الذل قيل فاستحسنوا منه ذلك...
وعندى أن ليس الأمر على ما ذكروه وان هذا التعبير كناية عن الرفق في معاملة الوالدين واخدهما باللين والرقة كما تقول واخفض لهما الجناح ذلا ولكن لما ثمة صلة بين الجناح بمعنى جانب الإنسان وبين الذل إذ أن هذا الجانب هو مظهر الغطرسة حين يشمخ المرء بأنفه..
ومظهر التواضع حتى يتظامن- أجازت هذه الصلة إضافة الجناح للذل-
- لا على معنى الملكية فلسنا بحاجة إلى تشبيه الذل بطائر نستعير جناحه ولكنا بحاجة إلى استعارة الجناح للجانب وجمال ذلك هنا في أن اختيار كلمة الجناح في هذا الوضع يوحي بما ينبغي أن يظل به الابن أباه من رعاية وحب كما يظل الطائر صغار فراخه
- وبما ذكرناه يبدو أن يبت أبى تمام لم يجر على نسق الآيه الكريمة فليس هناك صلة مابين الماء والملام تجيز هذه الإضافة ولا سيما أن إيحاء الكلمات في الجملة لاتساعد ابا تمام على إيصال تجربته الى قارئه فليس في سقى الماء ما يثير ألما ولو أنه قال لا تجرعنى غصص الملام لاستطاع بذلك أن يصور لنا شعوره تصويرا ادق وأوفى لما هاتان اللفظتان في نفس من المشقة والالم...
• وقد يكون الجمع بين كلمتين هو سر الإيحاء ومصدره كالجمع بين الناس والحجارة في قوله تعالى﴿ فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين﴾ فهذا الجمع يوحي إلى النفس بالمشاكلة بينهما والتشابه وقد تكون العبارة بجملتها هي الموجهة كما تجد ذلك في قوله تعالى﴿ فالذين كفروا قطعت لهم ثياب من نار﴾
• أولا تجد هذه الثياب من النار موحية لك بما يقاسيه هؤلاء القوم من عذاب اليم فقد خلقت الثياب يتقى بها اللابس الحر والقر فماذا يكون الحال إذا قدت الثياب من النيران...
• لو بغير الماء صدري شرق كنت كالغصان بالماء اعتصارى
• ومن هذا الباب قوله تعالى﴿ من فوقهم ظلل من النار ومن تحتهم ظلل ذلك الذي يخوف الله به عباده فتقوه﴾
• فان الظلة إنما تكون ليتقى بها وهج الشمس فكيف إذا كانت الظلة نفسها من النيران هذه امثلة قليلة لما في القرآن من كلمات شديدة الإيحاء قوية البعث لما تتضمنه من المعانى
• وهناك عدد كبير من ألالفاظ تصور بحروفها فهذه الظاء والشين في وقوله تعالى﴿ يرسل عليكما شواظ من نار ونحاس فلا تنتصران﴾ والشين والهاء في قوله تعالى﴿ وللذين كفروا بربهم عذاب جهنم وبئس المصير إذا القوا فيها سمعوا لها شهيقا و هي تفور،
• والظاء في قوله تعالى{ أنذرتكم نارا تلظى﴾


الصفحة التالية
Icon