ففي رسالة له بعنوان حجج نبوية يقول :" إن محمد صلى الله عليه و سلم مخصوص بعلامة، لها في العقل موقع كموقع فلق البحر في العين.. ذلك قوله لقريش خاصة و للعرب عامة مع من فيها من الشعراء و الخطباء و البلغاء، والحكماء و أصحاب الرأي و المكيدة، والتجارب و النظر في العامة " إن عارضتموني بسورة واحدة فقد كذبت في دعواي، و صدقتكم في تكذيبي " ثم يقول " و لا يجوز أن يكون مثل العرب في كثير عددهم و اختلاف عللهم و كلامهم، وهو سيد علمهم، وقد فاض بيانهم، و جاشت به صدورهم، وغلتهم قوتهم عليه عند أنفسهم، حتى قالوا في الحيات، والعقارب و الذئاب و الكلاب، والخنافس، والحمير و الحمام و كل ما دب على الأرض و لاح لعين، وخطر على قلب و لهم أصناف النظم، و ضروب التأليف.. كالقصيد، والرجز، و المزدوج و المتجانس و الاستماع و المنثور و بعد فقد هاجوه من كل جانب، و هاجا أصحابه شعرائهم، و نازعوه خطباءهم و حاجوه في الموقف و خاصموه في الموسم، و باروه العداوة، وناصبوه الحرب، فقتل منهم و قتلوا منه.. و هم أثبت الناس حقداً، و أبعدهم مطلباً، و أذكرهم لخبر أو الشر، و أبقاهم له، و أهجاهم ثم لا يعارضه معارض، ولم يتكلف ذلك خطيب و شاعر.
ثم يقول : و محال في التعارف و مستنكر في التصادف أن يكون الكلام أقصر عندهم، و أيسر مئونة عليهم، وهو أبلغ في تكذيبه، و أنقض لقوله، أجدر أن يعرف ذلك أصحابه، فيجتمعوا على ترك استعماله و الاستغناء عنه، وهم يبذولون مهجهم و أموالهم و يخرجون من ديارهم في إطفاء أمرهم و توهين و لا يقولون، بل و لا يقول واحد من جماعتهم، لم تقتلوا أنفسكم وتستهلكوا أموالكم، تخرجون من دياركم و الحيلة في أمره ميسرة و المأخذ في أمره قريب ؟
ليؤلف واحد من شعرائكم و خطبائكم كلاماً في نظم كلامه، كأصغر سورة يحتكم بها، و كأصغر آية دعاكم إلى معارضتها، بل لو نسوا ما تركهم حتى يذكرهم، ولو تغافلوا ما ترك أن ينبههم، فدل ذلك العاقل على أن أمرهم في ذلك لا يخلو ا من أحد أمرين :
إما أن يكونوا عرفوا عجزهم، و أن مثل ذلك لا يتهيأ لهم، فرأوا أن الأعراض عن ذكره، والتغافل عنه في هذا الباب أمثل لهم في التدبير، و أجدر ألا ينكشف أمرهم للجاهل و الضعيف، و أجدر أن يجدوا إلى الدعوة سبيلاً، وإلى اختراع الأنباء سبباً.
و إلا أن يكون غير ذلك، و لا يجوز أن يطبقوا على ترك المعارضة و هم يقدرون عليها، لأنه لا يجوز على العدد الكثير من العقلاء و الدهاة و الحكماء مع اختلاف عللهم، و بعد همهم، و شدة عداوتهم، بذلك الكثير، و صون اليسير فكيف على العقلاء لأن تحبير الكلام أهون من القتال و من إجراء المال أ. هـ.
مسيحوا العصر الحديث يعترفون بعظمة القرآن
أعترف الدكتور ماردريس المستشرق الفرنسي بعظمة القرآن الكريم و ذلك إثر بعد أن كلفته وزارتا الخارجية و المعارف الفرنسية بترجمة ( ٦٢) سورة من السور الطوال التي لا تكرار فيها ففعل و قال في مقدمة ترجمته الصادرة ١٩٢٦م أما أسلوب القرآن فهو أسلوب الخالق جل و علا فإن الأسلوب الذي ينطوي على كنه الخالق الذي صدر عنه هذا الأسلوب لا يكون إلا إلهاً، والحق الواقع أن أكثر الكتاب شكاً و ارتيابا قد خضعوا لسلطان تأثيره.
و يورد الأستاذ محمد صادق الرافعي بعض تصريحات لمسيحيين عن بلاغة القرآن من هؤلاء أديب الملة المسيحية هو الشيخ إبراهيم اليازجي وهو أبلغ كاتب أخرجته المسيحية، وذلك في كتابه ( نجعة الرائد ) و كذلك أورد الدكتور حين حسن ضياء الدين تصريحاً لأحد المسيحين يتضمن إعجابه بالإعجاز البياني بالقرآن الكريم و هذا الأديب الشاعر هو الشاعر المعاصر ( نقولا حنا )
الإعجاز و البلاغة
لقد نشب صراع حاد و عنيف بين علماء البلاغة حول الصور والألوان البلاغية في القرآن الكريم، هل هي معجزة أو غير معجزة ؟
ففريق منهم يرى أنها معجزة، و يجعلها من وجوه الإعجاز في القرآن الكريم، وفريق يرى أنها غير معجزة، و ينفي أن تكون من وجوه الإعجاز في القرآن الكريم، ومن هذا الفريق " أبو بكر الباقلاني
و المسألة تحتاج إلى بحث و تحقيق، وفي هذا الفصل من البحث سأقوم بتحقيقها، و إظهار وجه الصواب فيها فأقول طالباً العون و التوفيق من الله وحده :
إن هذه الصورة و الألوان معجزة في القرآن، وإعجازها راجع إلى نظمها، فالقرآن الكريم كما سبق أن وصحنا معجز بنظمه، و هذه الصور و الألوان قد اقتضاها هذا النظم المعجز فأصبحت جزءا منه فتكون معجزة و لقد أشار إلى ذلك الشيخ عبد القاهر الجرجاني عندما تعرض لتوضيح الاستعارة في قوله : تعالى " و أشتعل الرأس شيباً " فقال :" إن في الاستعارة ما لا يمكن بيانه إلا من بعد العلم بالنظم و الوقوف على حقيقته.


الصفحة التالية
Icon