( اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلا يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ)
(البقرة: ٢٥٥)
قال الإمام محمد بن صالح العثيمين ـ رحمه الله ـ في فوائد هذه الآية العظيمة ما نصّه
الفوائد:
١ - من فوائد الآية: إثبات هذه الأسماء الخمسة؛ وهي ﴿ الله ﴾؛ ﴿ الحي ﴾؛ ﴿ القيوم ﴾؛ ﴿ العلي ﴾؛ ﴿ العظيم ﴾؛ وما تضمنته من الصفات.
٢ - ومنها: إثبات انفراد الله تعالى بالألوهية في قوله تعالى: ﴿ لا إله إلا هو ﴾.
٣ - ومنها: إبطال طريق المشركين الذين أشركوا بالله، وجعلوا معه آلهة.
٤ - ومنها: إثبات صفة الحياة لله عز وجل؛ وهي حياة كاملة: لم تسبق بعدم، ولا يلحقها زوال، ولا توصف بنقص، كما قال تعالى: ﴿هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم﴾ [الحديد: ٣]، وقال تعالى: ﴿وتوكل على الحي الذي لا يموت﴾ [الفرقان: ٥٨]، وقال تعالى: ﴿ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام﴾ [الرحمن: ٢٧].
٥ - ومنها: إثبات القيومية لله عز وجل؛ لقوله تعالى: ﴿ القيوم ﴾؛ وهذا الوصف لا يكون لمخلوق؛ لأنه ما من مخلوق إلا وهو محتاج إلى غيره: فنحن محتاجون إلى العمال، والعمال محتاجون إلينا؛ ونحن محتاجون إلى النساء، والنساء محتاجة إلينا؛ ونحن محتاجون إلى الأولاد، والأولاد يحتاجون إلينا؛ ونحن محتاجون إلى المال، والمال محتاج إلينا من جهة حفظه، وتنميته؛ والكل محتاج إلى الله عز وجل؛ لقوله تعالى: ﴿يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد﴾ [فاطر: ١٥] ؛ وما من أحد يكون قائماً على غيره في جميع الأحوال؛ بل في دائرة ضيقة؛ ولهذا قال الله تعالى: ﴿أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت﴾ [الرعد: ٣٣] ؛ يعني الله؛ فلا أحد سواه قائم على كل نفس بما كسبت.
٦ - ومن فوائد الآية: أن الله تعالى غني عما سواه؛ وأن كل شيء مفتقر إليه تعالى؛ فإن قلت: كيف تجمع بين هذا، وبين قوله تعالى: ﴿يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم﴾ [محمد: ٧]، وقوله تعالى: ﴿ولينصرن الله من ينصره﴾ [الحج: ٤٠] ؛ فأثبت أنه يُنصر؟
فالجواب: أن المراد بنصره تعالى نصر دينه.
٧ - ومنها: تضمن الآية لاسم الله الأعظم الثابت في قوله تعالى: ﴿ الحي القيوم ﴾؛ وقد ذكر هذان الاسمان الكريمان في ثلاثة مواضع من القرآن: في «البقرة»؛ و«آل عمران»؛ و«طه»؛ في «البقرة»: ﴿الله لا إله إلا هو الحي القيوم﴾ [البقرة: ٢٥٥] ؛ وفي «آل عمران»: ﴿ الله لا إله إلا هو الحي القيوم ﴾؛ وفي «طه»: ﴿وعنت الوجوه للحي القيوم﴾ [طه: ١١١] ؛ قال أهل العلم: وإنما كان الاسم الأعظم في اجتماع هذين الاسمين؛ لأنهما تضمنا جميع الأسماء الحسنى؛ فصفة الكمال في ﴿ الحي ﴾؛ وصفة الإحسان، والسلطان في ﴿ القيوم ﴾.
٨ - ومن فوائد الآية: امتناع السِّنَة والنوم لله عز وجل؛ وذلك لكمال حياته، وقيوميته، بحيث لا يعتريهما أدنى نقص؛ لقوله تعالى: ﴿ لا تأخذه سنة ولا نوم ﴾؛ وهذه من الصفات المنفية؛ والإيمان بالصفات المنفية يتضمن شيئين؛ أحدهما: الإيمان بانتفاء الصفة المذكورة؛ والثاني: إثبات كمال ضدها؛ لأن الكمال قد يطلق باعتبار الأغلب الأكثر، وإن كان يرد عليه النقص من بعض الوجوه؛ لكن إذا نفي النقص فمعناه أن الكمال كمال مطلق لا يرد عليه نقصٌ أبداً بوجه من الوجوه؛ مثال ذلك: إذا قيل: «فلان كريم» فقد يراد به أنه كريم في الأغلب الأكثر؛ فإذا قيل: «فلان كريم لا يبخل» عُلم أن المراد كمال كرمه، بحيث لا يحصل منه بخل؛ وهنا النفي حصل بقوله تعالى: ﴿ لا تأخذه سنة ولا نوم ﴾؛ فدل على كمال حياته، وقيوميته.
٩ - ومن فوائد الآية: إثبات الصفات المنفية؛ لقوله تعالى: ﴿ لا تأخذه سنة ولا نوم ﴾، وقوله تعالى: ﴿ ولا يؤوده حفظهما ﴾؛ و«الصفات المنفية» ما نفاه الله عن نفسه؛ وهي متضمنة لثبوت كمال ضدها.
١٠ - ومنها: عموم ملك الله؛ لقوله تعالى: ﴿ له ما في السموات وما في الأرض ﴾.
ويتفرع على كون الملك لله ألا نتصرف في ملكه إلا بما يرضاه.
١١ - ومنها: أن الحكم الشرعي بين الناس، والفصل بينهم يجب أن يكون مستنداً على حكم الله؛ وأن اعتماد الإنسان على حكم المخلوقين، والقوانين الوضعية نوع من الإشراك بالله عز وجل؛ لأن الملك لله عز وجل.
١٢ - ومنها: تسلية الإنسان على المصائب، ورضاه بقضاء الله عز وجل، وقدره؛ لأنه متى علم أن الملك لله وحده رضي بقضائه، وسلّم؛ ولهذا كان في تعزية النبي ﷺ لابنته أنه قال: «إن لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى»(١٢٤).
١٣ - ومنها: عدم إعجاب الإنسان بما حصل بفعله؛ لأن هذا من الله؛ والملك له.
١٤ - ومنها: اختصاص الله تعالى بهذا الملك؛ يؤخذ من تقديم الخبر: ﴿ له ما في السموات ﴾؛ لأن الخبر حقه التأخير؛ فإذا قُدِّم أفاد الحصر.