والفرق بين تسطع وتستطع : فمع أن الخضر أخذ على موسى ( العهد بالصبر لكنه عندما خرق السفينة سأله موسى ولم يصبر فأجابه الخضر (ألم أقل أنك) وفي قتل الغلام لم يصبر موسى أيضاً فأجابه الخضر (ألم أقل لك أنك) باستخدام (لك) التي تفيد التوكيد والتقريع بمعنى ألم أقل لك أنت دون غيرك. وعندما أراد أن يفصّل له قال (تستطع) لما فيه مشقة ولم تصبر عليه. وفي الأخير قال (لم تسطع عليه صبرا).
دلالة تذكير كلمة (القانتين) في الحديث عن مريم: عندما يُعبّر الله تعالى يعبّر بدقة متناهية فقد جاء بالتأنيث في (كانت) ثم المذكر (القانتين) والبعض يقولون هذا لمراعاة فواصل الآيات وهذه ليست حجة. فإذا أطلق المذكر فيعمّ المذكر والمؤنث أما إذا أطلق المؤنث فلا يشمل إلا المؤنث. ومثال آخر في سورة يوسف في قصة امرأة العزيز (إنك كنت من الخاطئين) لأن ما دبرته امرأة العزيز تفوقت فيه على بنات جنسها وعلى جنس الرجال وهذ من دقة التعبير. وهناك فرق أيضاً بين كلمة خاطئ ومخطئ. فالخاطئ هو الذي يفعل الذنب بتخطيط وتدبير وهذا ما نجده في الآية التي تتحدث عن إخوة يوسف (إنا كنا من الخاطئين).
ومن دقة التعبير القرآني أن كلام الله تعالى كلام اللطيف الخبير فما معنى قوله (إن الله لا يحب الظالمين)؟ بمعنى يكره الظالمين لكنه سبحانه لا يستخدم لفظ يكره حتى مع الكافرين. فهناك فرق في أسلوب الخطاب بين أن تقول لا يحب أو يكرهفمعنى صيغة لا يحب الظالمين أنه يفتح أمامهم المجال أنهم لو تخلوا عن صفة الظلم هذه لأحبهم الله تعالى وهذا من باب رحمة الله تعالى بالناس أجمعين. أما صيغة يكره فهي تسد الأبواب وتغلقها أمام الظالمين. كأن الله تعالى يوجه خطابه إلى الظالمين أو الكافرين أو غيرهم أنه يا من فيه صفاة من هذه الصفات التي لا يحبها الله تعالى تخلّوا عن هذه الصفات حتى أحبكم وكأنه سبحانه وتعالى يفتح الباب أمام الناس حتى يشملهم حبه تعالى.
قال تعالى (يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره) الإطفاء لا يأتي مقابله الإتمام فلماذا عبّر تعالى بالإطفاء؟الحق تعالى يريد أن يطمئن العباد أن دين الله هو ناصره لكن سنة الله تعالى في خلقه هي الإبتلاء والمحن الذي يريد أن يطفئوا نور الله بمعنى أن هؤلاء تصرفهم تصرف مجانين فكيف يحاولون إطفاء نور الله وهل هذا ممكن أصلاً؟، وكأن الله تعالى يقول لا تلتفت لهذا بل التفت إلى أمور دينك (أيحسب الذين آمنوا أن يتركوا) والله تعالى متم نوره ليدلل على الريادة وكلما حاولوا ما يريد الله إلا أن يتم نوره والإتمام معناه الريادة والسيادة والإنتشار ومهما حاول المغرضون على أهل الدين أن يتمسكوا بأمور دينهم.
وقد جاءت هذه الآية بصيغتين (ليطفئوا) و(أن يطفئوا). آية سورة التوبة إرادة الإطفاء متوجهة مباشرة إلى الإطفاء (قالت اليهود عزير ) هم يريدون إطفاء نور الله مباشرة. أما في سورة الصفّ وهي مدنية جاءت الآية بقوله (ليطفئوا) واللام تفيد أنه كان هناك محذوف بين اللام ويطفئون (يفترون على الله الكذب) فهم يريدون افتراء الأكاذيب ليطفئوا نور الله.
قال تعالى (يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم) عندما ينادي الله تعالى المؤمن بهذا الأسلوب (يا أيها الذين آمنوا) كأنه ينادي من اتصف بصفة الإيمان فهو تعالى ينهى المؤمن عن أن يلتهي بالمال والولد فلم يقل لهم لا تلتهوا بأموالكم وأولادكم وهناك فرق بين لا تلهكم ولا تلتهوا ففي الأولى جعل الأموال والأولاد هي الفاعل لأنه عندما يكون للإنسان ولد مثلاً ذو خلق وهو يثق به كثيراً ويعرف إنه لا ينحرف بسهولة إذا صاحب شخصاً آخر ليس بنفس مستواه ثقة فيقول الإنسان لابنه لا يلهك هذا الولد فإن لم تكن تثق بابنك تقول له لا تلتهي بهذا الصديق. فالحق تبارك وتعالى صدّر الآية بـ (يا أيها الذين آمنوا) فلا ينبغي لهم أن يلتهوا هم لكنه تعالى يحذرهم من أن تلههم الأموال والأولاد فعليهم أن يحذروا منهم.
والإلهاء هو الإنشغال فلماذا لم تستخدم كلمة الإنشغال؟ لأن الإنشغال منه ما هو محمود كما جاء في الحديث (إن في الصلاة لشغلا) وكما جاء في قوله تعالى (إن أصحاب الجنة اليوم في شغل فكهون) ومنه ما هو مذموم. أما الإلهاء فينصرف إلى الإلهاء المذموم وهذا يدل على أنه لا مانع أن ينشغل الإنسان بماله وولده إنما التحذير من الإلتهاء بالمال والولد.
ولذلك جاء في قوله تعالى (فأما من طغى وآثر الحياة الدنيا) آثر تفضيل شيء على شيء بحيث يستحيل اجتماعهما وعندما يجتمع أمر ديني وأمر دنيوي فأيهما تؤثر؟ لا بأس من حب الدنيا والأموال والألاولاد لكن بشرط أن لا تلهي الؤمن عن طاعة الله تعالى.
قدم الأموال على الأولاد في الآية مع أن الولد أحب إلى الإنسان من الأموال والإنسان قد يضع ماله كله ليفتدي به ولده أو يدفع عنه ضرراً أو غيره. أما في شأن الزينة والفتنة يقدم تعالى الأولاد على الأموال لأن الإلتهاء والإنشغال بالمال أكثر من الإلتهاء بالولد فكأن الله تعالى يريد أن يلفتنا لهذه النقطة.


الصفحة التالية
Icon