أما عن الحب والفطرة فيقدّم الله تعالى الأبناء على الأموال (إن كان آباؤكم وأبناؤكم) (زين للناس حب الشهوات).
تكرار (ولا) في الآية يفيد أن كلاً من المعطوف والمعطوف عليه يشتركان في الحكم السابق سواء اجتمعا أو تفرقا. ولو قال أموالكم وأولادكم لأفاد أن النهي عنهما إذا اجتمعا فقط.
الفرق بين الفعل والعمل: قوله تعالى (ومن يفعل ذلك) ولم يقل (ولم يعمل ذلك). الفعل هو عمل لا يمتد في الزمان ولا يأخذ وقتاً ولا يُخطط له بل يأتي مصادفة أما العمل فهو الفعل الذب يمتد في الزمان ويأخذ وقتاً طويلاً ويُخطط له. (والذين إذا فعلوا فاحشة) فعلوها ولم يخططوا لها ولم تأخذ وقتاً كأن غفلوا لحظة وتنبهوا فوراً. والمؤمن لا يعمل المعصية ولا يعمل الإلتهاء إنما يفعله وهو مضطر أو نائم وما من شأنه أن يعمل هذا العمل لكنه يفعل. وقد أتى بأسلوب الشرط ولم يضع له جزاء أو عقوبة (فأولئك هم الخاسرون) أنت الذي تخسر إذا التهيت بالأموال والأولاد عن الله تعالى وكلٌ يخسر بحسب التهائه وهذا من دقة التعبير القرآني.
أما كلمة الصنعة فهي فعل يحتاج إلى دقة ومهارة (خبير بما يصنعون).
دلالة السعي في القرآن الكريم:
نجده في القرآن يتعدى مرة بـ (إلى) (فاسعوا إلى ذكر الله) وهو السعي العام الذي يشمل العمل والفعل والصنعة. وقد يتعدّى باللام (وسعى لها سعيها) بمعنى عمل لأجلها كل حركاته وسكناته لأجل الآخرة. وقد يتعدّى بـ (في) (ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها) (والذين يسعون في آياتنا) (ويسعون في الأرض فسادا) استعملت في الخراب لأن الإنسان الذي بداخله شر عندما يسعى في الخراب يطرح كل أموره الأخرى خلفه ويفرّغ نفسه للسعي في هذا السيء. وهناك سعي بين (يسعى نورهم بين أيديهم) التردد بين أمرين. وهناك سعي عام (يوم يتذكر الإنسان ما سعى) لم يقل ما عمل ولا ما فعل ولا ما صنع وإنما ما سعى فهو يحاسب في الآخرة على هدف حياته وقد عبّر تعالى بما سعى ليشمل عمله وفعله وصنعته وكل حركته وشمل كل أنواع السعي ما سعى فيه وإليه وبه.
لماذ قال تعالى (فامشوا) ولم يقل (فاسعوا)؟ السعي يفيد المشي بسرعة وتدل على شدة الإهتمام (وأما من جاءك يسعى) فالكفيف لا يمكن أن يوصف مشيه بسرعة والسعي في هذه الآية جاء بمعنى من جاءك مهتماً وشغوفاً بأمور الدين. واستعمال المشي بدل السعي حتى لا يُفهم أن أن على الإنسان أن يجري ويسارع وإنما عليه الأخذ بالأسباب فقط لأن الرزق يأتيه من الله تعالى ولهذا قال تعالى (فامشوا في مناكبها) لكن تعمّق عندما تحتاج. وقوله تعالى (وأن ليس للإنسان إلا ما سعى) في الآخرة تأتي سعى وحدها لتشمل كل المعاني.
كلمة زوج وبعل في القرآن:
الله تعالى لا يستعمل كلمة زوج إلا إذا كانت الحياة الزوجية متفقة (قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها) وهي قصة خولة التي ظاهر منها زوجها جاءت تشتكي إل النبي وعلِم الحق تعالى حرص هذه المرأة على زوجها وعلى إتمام الحياة الزوجية ولهذا ما ضنّ عليها بكلمة زوج لأنه تعالى علم ما في نفسها من رغبة باستمرار حياتها الزوجية.
وقوله تعالى (أمسك عليك زوجك) لزيد بن حارثة مع العلم أنه طلقها لأن الله تعالى لا يريد أن يوسع دائرة الخلاف وقوله تعالى أن أمسك توحي بالتمسك بالحياة الزوجية.
وقوله تعالى (تبتغي مرضاة أزواجك) لم تكن هناك خلافات زوجية وإنما كانت غيرة نساء وكيف لا والرسول ( حرّم على نفسه شرب العسل الذي حلله الله تعالى.
في المطلّقة الرجعية قال تعالى (وبعولتهن أحق بردهن) تعبير بالبعل لأنها مطلقة والحياة الزوجية منقطعة. وفي المطلقة البائنة قال تعالى (فلا تضلوهن أن ينكحن أزواجهن) بتعبير أزواجهن مع أن الحياة الزوجية منقطعة والزوجة لا تعود إلا بمهر جديد وعقد جديد. فلماذا هذا الإختلاف في استعمال اللفظتين؟ لأنه في الأولى (الطلقة الرجعية) يذكر القرآن أن هناك منافسة (أحق بردّهن) فالزوج يعلم أن هناك من يريد أن يتدخل ليتزوج زوجته والبعض يراجع فقط لا لأنه يريد الإصلاح وإنما لأنه يريد إرجاعها ليمدد العدّة فلذلك أضاف تعالى (إن أرادوا إصلاحاً) وقد لا يكون انهم يريدون إصلاحا. أما في الثانية. فإذا عاد إليها زوجها من جديد ففي هذا اعتراف منه بها ودليل على مكانتها عنده (فإذا تراضوا) والزوجة رقيقة القلب عندما ترى زوجها جاء لينكحها تتصور أنه لم يجد في الكون من هي أفضل منها ولهذا ردّها إليه ومن أجل هذا عبّر القرآن بالزوجية ليذكر الأولياء إن هذا كان زوجها هو أولى وأحق بها والحياة الزوجية ستستمر إن شاء الله تعالى.
=============
من أسرار الإعجاز البياني في القرآن
سر دخول الواو على لو الشرطية
قال الله تعالى:﴿ إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبًا ولو افتدى به ﴾ [آل عمران: ٩١ ]
ما نوع( الواو ) الداخلة على( لو) في قوله تعالى﴿ ولو افتدى به ﴾ من الآية الكريمة السابقة، ونحوها، وما سر دخولها؟


الصفحة التالية
Icon