وغلِّب المذكر على المؤنث في الآية الثانية، لاجتماع الشمس والقمر. ولو قيل: طلع الشمس والقمر، بدلاً من جمع الشمس والقمر، لقبح؛ كما يقبح أن يقال: قام هند وزيد، إلا أن يراد بالواو: الواو الجامعة، لا العاطفة. وأما في الآية الكريمة فلا بد أن تكون الواو جامعة، وهي التي تسمَّى واو المعيَّة، ولفظ الجمع قبلها يقتضي ذلك، وهي في قراءة ابن مسعود رضي الله عنه:
" وَجُمِعَ بين الشَّمْس وَالْقَمَر ".
وقيل في المراد من جمعهما: أن الله تعالى يجمع بينهما يوم القيامة، ويلقيهما في النار؛ ليكونا عذابًا على الكفار. وفي تنوير المقباس من تفسير ابن عباس رضي الله عنهما:” يجمع بينهما كالثورين المقرونين العقيرين الأسودين فيرمَي بهما في حجاب النور “.
وجمعُ الشمس والقمر هو عبارة عن فناء الكون. أي: يحدث وقت التحام الشمس والقمر. في ذلك الوقت يحدث اضطراب بين النجوم والكواكب، وتوابعها، فتصطدم ببعضها، وتتحطم، ثم تتناثر.
ويؤكِّد العلماء أن جمع الشمس والقمر سوف يكون بفعل فقدان تعادل القوى الجاذبة والطاردة، وسينجذب القمر الى مركزه الأصلي، وهو الشمس.
ذكر الأستاذ عبد الدايم كحيل في مقال له، نشر في هذه الموسوعة تحت عنوان﴿ وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ ﴾، أن علماء الفلك يخبرون بنتيجة حساباتهم أن الشمس ستتحول إلى عملاق أحمر بعد خمسة آلاف مليون عام، وفي تلك اللحظة سيكبر حجم الشمس، حتى يصل غلافها إلى حدود القمر، وسيتم اجتماع الشمس والقمر!“.
ثم قال:”منذ عام/ ١٦٩٥ لاحظ العالم هالي ﷺ dmund Halley أن دوران الأرض يتباطأ مع الزمن، وبعد ذلك وعندما تطورت القياسات الفلكية تمكن العلماء من اكتشاف أن القمر يبتعد عن الأرض تدريجياً وبمعدل/ ٤ سم كل عام.
وفي ذلك الوقت سيكون القمر أبعد عن الأرض بمعدل/ ٤٠ بالمائة أكبر من بعده الحالي. أي: أنه سيكون أقرب إلى الشمس، عند هذه المرحلة سوف يتحطم القمر، وينخسف كما تنخسف الأرض أثناء الزلزال.. وبالتالي سيكون القمر أول من يجتمع مع الشمس، ويتأثر بحرارتها.. في ذلك الوقت سيكون طول اليوم على الأرض/ ٤٧ ضعف اليوم الحالي، وسيصبح طول الشهر/ ٤٧ يومًا.
ويؤكد العلماء أن القمر ما هو إلا جزء من الأرض نتج عن اصطدامات، تعرضت لها الأرض قبل﴿ ٤. ٥ ﴾ بليون سنة، فتناثرت أجزاء من الأرض، وبدأت تدور حولها، ثم تجمعت وشكلت القمر. والقمر يبعد عن الأرض﴿ ٣٨٥ ﴾ ألف كيلو متر وسطياً، هذه المسافة قطعها القمر بعد رحلة شاقة، استمرت آلاف الملايين من السنوات، ولا يزال القمر يبتعد عن الأرض حتى يدخل في نطاق جاذبية الشمس، ويكون الاجتماع بينهما.. ويؤكد العلماء أن اقتراب الشمس من القمر واقتراب القمر من الشمس واجتماعهما حقيقة مؤكدة بناء على القوانين التي تحكم الكون “.
فالله القادر على جمع الشمس والقمر في هذا اليوم هو على جمع عظام الإنسان بعدما فرَّقها البلى ومزَّقها أقدر وأقدر، وإن كان الكل أمام القدرة الإلهية سواء !
ج- وأما التكرار في الآيتين: الرابعة والثلاثين والخامسة والثلاثين:
" أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى "*" ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى "(القيامة: ٣٤- ٣٥)
فقد جاء فيهما لفظ"أَوْلَى "مكررًا أربع مرات. والغرض من هذا التكرار المبالغة في التهديد والوعيد. والخطاب لأبي جهل، عمرو بن هشام، الذي تقدم وصفه في الآيات، التي سبقت هاتين الآيتين، وهي قوله تعالى:
" فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى " *" وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى " * " ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى "(القيامة: ٣١- ٣٣)
وكان يجيء أحيانًا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، يسمع منه القرآن، ثم يذهب عنه، فلا يؤمن ولا يطيع، ولا يتأدب ولا يخشى، وكان يؤذي رسول الله ﷺ بالقول، ويصد عن سبيل الله، ثم يذهب مختالاً بما فعل، فخورًا بما ارتكب من الشر؛ كأنما فعل شيئًا يذكر.
والتعبير القرآني يتهكم به، ويسخر منه، ويثير السخرية كذلك، وهو يصور حركة اختياله بأنه" يَتَمَطَّى "، وهو ذاهب إلى أهله. أي: يمطُّ في ظهره، ويتعاجب تعاجبًا ثقيلاً كريهًا !
والله تعالى يواجه هذه الخيلاء الشريرة بالتهديد والوعيد، فيقول سبحانه:
" أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى *ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى "
وهو تعبير اصطلاحي، يتضمن التهديد والوعيد. ومعناها: قاربك ما تكره، فاحذره. وهو مأخوذٌ من الوَلِيِّ، وهو القرب.
وفي ( زاد المسير ) لابن الجوزيِّ:”قال ابن قتيبة: هو تهديد ووعيد. وقال الزجاج: العرب تقول: أولى لفلان، إذا دعت عليه بالمكروه، ومعناه: وَلِيَكَ المكروه، يا أبا جهل ! “.
وقال الكرماني في ( أسرار التكرار ):”فإن قوله:" أَوْلَى "تامٌّ في الذمِّ، بدليل قوله:" فَأَوْلَى لَهُمْ "(محمد: ٢٠)، فإن جمهور المفسرين ذهبوا إلى أنه للتهديد؛ وإنما كرَّرها؛ لأن المعنى: أولى لك الموت، فأولى لك العذاب في القبر، ثم أولى لك أهوال يوم القيامة، وأولى لك عذاب النار، نعوذ بالله من شرها “.