قد يسألني سائل عن الإعجاز فأحتار بهتةً لكوني في رياضه غير مجتاز، فلا أستطيع الحكم على معارف ومدارك دون أن أكون لخفاياها مُدارِك، وفي حلبة سباقه مشارك، وكم أزداد حيرةً واضطراباً عندما أجد في نفسي صعاباً تثنيني عن الفهم، وتفحمني جواباً، كل ذالك جعلني أحث الخطى ؛ كي أكون حاضراً ساعة العطا، وأن أوفق في إزالة الغطا عن عملٍ كم وددت أن أكون له ذاكراً، ويصبح فيه الطرف فاكراً ؛ إذ بفيضه أكون لرب الكون شاكرا، إنه عمل فياض، وبالخير والعلم مراوض، وكيف لا يكون ذلك وهو كشف وبحثٌ لما للحسن من رياض.
هذا العمل للأستاذ علي الطاهر عبد السلام الذي كان له فضل سبق الفرائد ؛ إذ كان حول إعجازٍ لذتْ وطابت فيه الموائد، ورضي به كل طريف وتالد.
ما أحوجنا إلى إماطة اللثام عن جمال عروسٍ بصنوف المحاسن تبرقعت ؛ فكان جديراً بالأستاذ " علي " أن يميط عن إعجاز القرآن في سورة سيدنا يوسف المحاسن، هذه الصورة التي تضم صنوف الإعجاز ففيها الإعجاز النفسي من أحلام تحتاج إلى تعبير، ومظاهر نفسية واقتصادية غلب عليها حسن التدبير ؛ فأتت هذه الدراسة وإليها تصبو البصائر، بما ضمته من كنوز وذخائر، وكانت دليلاً لمن هو تائه، أو عاثر، وحضرت بها مبهمات النفوس والخواطر، كل ذلك لا يدرك شأوه إلا من أوتي من العلم والإيمان قمراً منيراً، جعله في البحث عن مواضع الإعجاز جديراً، وكل ذلك كان للأستاذ "علي " الذي تضامت فيه صنوف العلم واللغة والخلق ؛ فكان هذا الكتاب مدلولاً وعنواناً للصفة الأريحية التي اتصف بها.
إنني أعتصر ألماً لشعوري بالقصور في فهم هذا الكتاب الذي أقولها بصدق : إنه أعلى درجة من كوني أدرك خفايا أسراره، لكن الذي بعث في نفسي سلواً، ويزيد لي إلى فهم مظاهر أوصافه علواً هو الجهد الذي أحاول إظهاره، إنه جهد المقل.


الصفحة التالية
Icon