وأما الدوران : فيعني التجارة السريعة، ولقد كان الفقهاء يقولون إنها ذات المطعومات، أو ذات الثمن القليل ؛ لأن هذه هي الدائرة بين الناس، لكن اللفظ أعم من ذلك، وبخاصة في عالمنا المعاصر، وقد رأينا السلعة الواحدة تباع في المجلس الواحد أكثر من مرة، ولأكثر من شخص، وذلك في السوق المصرفي، أو ما يسمى بالبورصة، أو ما يطلق عليه المزاد العلني، فهذا الدوران للسلعة الواحدة يبيح ترك الكتابة، بل يستلزمها إذ لا يمكن الكتابة في مثل هذه المبايعات الحاضرة السريعة توسعة على الناس، ورفعاً للحرج.
وجملة :" تديرونها بينكم " ؛ فيها استحضار لعملية الانتقال من تاجر إلى آخر، ومن ثالث إلى رابع، مما يصعب معه التوثيق.
وقوله " بينكم " يعطي معنى اجتماعهم، وتداول البيع يداً بيد، وانتفاء الحرج ؛ لأن البيع قائم على الإيجاب والقبول.
*******
وجه اصطفاء النفي بـ" ليس" في قوله تعالى :
( فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلا تَكْتُبُوهَا )
جاء في القرآن الكريم النفي بـ" لا " والنفي بـ " ليس " فما الفرق ؟
لقد جاء النفي ب " ليس " تسع مرات في حين ورد النفي ب " لا " ست عشرة مرة.
وأول ما يُلحظ من خلال سياقات الآيات أن النفي بـ " لا " كائن في الأمور التكليفية ؛ التي يظن فيها المكلف أن عليه جناحاً إذا فعلها ؛ مثل قوله تعالى: ( إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا) (البقرة: ١٥٨).
كما أنه كائن أيضاً في نفي الجناح المفيد للإباحة في مقابل الحظر، فكل ما يصدق عليه أنه جناح يكون منفياً ؛وذلك نحو :" ( وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكَ (الأحزاب: ٥١).
ونحو :" ( لا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ وَلا أَبْنَائِهِنَّ وَلا إِخْوَانِهِنَّ.. ) (الأحزاب: ٥٥).