هذا بالإضافة إلى أن النفي ب " لا " للجناح كائن في الغالب في الأمور التكليفية شديدة الحكم ؛ أي التي يكون الحكم فيها واجباً في مقابل محرَّم ؛ كما في إقامة حدود الله تعالى، أو ركن في مقابل باطل، كما في السعي بين الصفا والمروة، أو مباح في مقابل محرم ؛ كما في التعريض بخطبة النساء.
النفي بـ" ليس " :
أما النفي بـ " ليس" : فهو كائن فيما ليس بذنب أصلاً، وعليه فإن نفي الجناح عنه لكمال التنزيه ؛ نحو:(وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً)(الأحزاب: ٥
والخطأ معفوُّ عنه في الأصل كما أنه كائن فيما لم يرد في مقابله نفي يُنهى عنه غالباً.
هذا بالإضافة إلى أن " ليس " تنفي الوحدة، ولا تنفي الجنس مثل " لا "، ومن ثم فهي أضعف في النفي منها، وعليه يمكن فهم أن الجناح في قوله " فليس عليكم جناح ألا تكتبوها " غير مقصور، أو غير متأكد في نفوسهم ؛ لذلك جاء نفيه بـ " ليس " دون " لا ".
وعند عرض الأسلوبين لبيان الفرق بينهما من خلال السياقات المتنوعة تبين أن جملة :
" لا جناح عليكم " تأتي في سياق الأحكام والفرائض.
أما قوله :" وليس عليكم جناح " فإنها تأتي في سياق المباحات، وما يستحسن من الأمور.
فمن الأولى كتابة التجارة الحاضرة الدائرة بين المسلمين، وإن كان الحرج مرفوعاً.
بلاغة التقديم في قوله تعالى :
( وأشهدوا إذا تبايعتم )
وهذه الجملة :[ تشريع للإشهاد عند البيع، ولو بغير دين ؛ إذا كان البيع تجارة حاضرة...
وهي إكمال لصورة المعاملة ؛ فإنها إما تداين، أو آيل إلى التداين؛كالبيع بدين وإما تناجز في تجارة، وإما تناجز في غير تجارة ؛ كبيع العقار، والعروض في غير التُجْر ]( ١٦٠ ).


الصفحة التالية
Icon