والجملة هنا جملة شرطية تقدم فيها جواب الشرط علي الفعل والأداة، وهذا النمط من التركيب يفيد التوكيد للجواب ؛ أعني التوكيد للإشهاد، لكن هذا التوكيد يحمل في معطفه شيئاً آخر، وهو الإشارة إلي كثرة التبايع، وشيوع ذلك بين الناس ؛ فنََّبه بالتقديم على الإشهاد وأهميته وذلك نحو :(وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ ).
والأمر في ( وأشهدوا) : قال الطبري رحمه الله ـ بوجوبه، فعنده [الإشهاد علي كل مبيع ومشترى حقٌ واجب وفرضٌ لازم ؛ لأن كل أمر لله فرض، إلا ما قامت حجته من الوجه الذي يجب التسليم له بأنه ندب وإرشاد ] ( ١٦١).
ولقد قال بالوجوب أيضاً جمعٌ من الصحابة والتابعين : ومن أشهرهم في ذلك عطاء ؛ حيث قال : أشهد إذا بعت وإذا اشتريت بدرهم أو نصف درهم أو ثلث درهم، أو أقل من ذلك ؛ فإن الله عز وجل يقول :"وأشهدوا إذا تبايعتم "...
وقال الطبري أيضاً :" لا يحل لمسلم إذا باع وإذا اشتري إلا أن يشهد، وإلا كان مخالفًا كتاب الله عز وجل ] ( ١٦٢ ).
وهذا التوجه قد يكون مقبولاً في زمان آخر، لكن حركة البيع الآن والشراء يستحيل معها الإشهاد في كثير من الأحيان ؛ إذ ليس من المعقول عند شراء قلم مثلاً أو كتاب أن أشهد اثنين، فهذا أمرٌ عسير، ولا أظن أن الآية ترمي إليه.
لكن الإشهاد قد يكون لازماً عند مظنة النزاع، أو عند بيع الأشياء الثمينة التي يكتنفها الطمع.
وجاء الفعل الماضي بصيغة التفاعل ؛ حيث قيل :" تبايعتم " وتلك الصيغة تحمل بعض الإيحاءات ومنها :
أن المجتمع المسلم عند تبايعه ينبغي أن يكفي نفسه أولاً، ولا يلتفت إلي المجتمعات الأخرى إلا بعد الاكتفاء الداخلي ؛ لأن الفعل قال :" تبايعتم " وهذا توجيه إلي إقامة سوق إسلامية.
ومنها : الإشارة إلي تراضي الطرفين [ وقد ذكر الزهري عن عمارة بن خزيمة أن عمّه حدثه
ـ وهو من أصحاب النبي صلي الله عليه وسلم ـ أن النبي صلي الله عليه وسلم ابتاع فرساً من