كما أن هناك ملمحاً آخر، وهو ترغيب كل منهما في تلبية الأمر دون النظر إلى وجود كاتب آخر، أو شاهد آخر، فتلبية الأمر - وبخاصة الشاهد - ضرورية، حتى وإن ذهب وحده، حتى وإن لم يحضر غيره.
أما اصطفاء صيغة البناء للمجهول في قوله :" ولا يضار كاتب ولا شهيد " فإنه مشعر بأن ذلك مترسخ في الفطر السليمة، حتى وإن لم تكن في دين الإسلام.
فبناء الجملة يضعها في قالب الحِكَم، والأمثال، وكأنه ليس تشريعاً للمسلمين، بل إخبار ببديهة تفرضها العقول الصحيحة، وهذا يُكسب المعنى قوة ولزوماً، وحرصاً من الجميع على الالتزام به، ويؤيد هذا قراءة :" ولا يضارُّ " بالرفع ؛ إذ إن المعنى على أنه خبر، وليس إنشاءً، وكأن قراءة الرفع والنصب تشير إلى أن الجملة خبرٌ غُلِّف في صورة الإنشاء ليحمل من كلٍّ خصائصه، وميزاته.
فهو يحمل من الخبر لزومه وثبوته.
ويحمل من الإنشاء فريضته ووجوبه، وإثم من يخلفه.
وهذا ما أكدته الجملة التالية، وهي :" وإن تفعلوا فإنه فسوق بكم ".
*******
البناء التركيبي لجملة :
" وإن تفعلوا فإنه فسوق بكم "
هذه الجملة تثير عدة أسئلة : ومنها :
١ - ما وجه البلاغة في إيثار الفعل " تفعلوا " دون " تضاروا " ؟
٢ - ما وجه حذف المفعول للفعل " تفعلوا " ؟
٣ - لم بني جواب الشرط على الجملة الاسمية ؟
٤ - لم أضيف الفسوق إليهم ؟ وكان يمكن أن يقال : فإنه فسوق، وكفى.
وبدايةً :
فالجملة تحذير من إضرار الكاتب، أو الشاهد بإلحاق حكم الفسوق بكل من يرتكب ذلك.
وبناء الجملة على الشرط يفيد احتمال وقوع هذا الإضرار، لكن الأصل، أو الشائع انتفاء هذا، كما أن اصطفاء أداة الشرط " إنْ " يشعر بندرة حدوثه.


الصفحة التالية
Icon