أما بلاغة ذكر الإضرار بلفظ " تفعلوا " فإنه يكمن في تقبيح من يفعل ذلك، وأنه ارتكب أمراً لا يمكن ذكره أو وصفه، وهو إضرار الكاتب أو الشاهد، وما هما إلا وسيلتان لحفظ الحقوق، ولا يعقل أن يقابل الإحسان إلا بالإحسان، فلما حدث هذا الإضرار عبَّر عنه بلفظ الفعل ؛ استبشاعاً له وتهويلاً، كما قيل لموسى - عليه الصلاة والسلام - " وفعلت فعلتك التي فعلت " - الشعراء ١٩-
كما أن إيثار صيغة المضارع " تفعلوا " يشعر بأن المضارة أضحت عادة في الناس تتجدد، وتتكرر كثيراً بينهم.
أما حذف المفعول من قوله "وإن تفعلوا " ؛ فلكي تذهب فيه العقول كُلّ مذهب، حتى يدخل فيه كل نوع من الإضرار، سواء في النفس أو المال أو الولد أو غير ذلك.
وجاء جواب الشرط جملةً اسمية مفتتحة بإنّ ؛للإشارة إلي مضمون الجملة، وهو ثبوت الفسوق
بكل ما يضر الكاتب أو الشهيد ؛ لأن في ذلك إغلاقاً لبابٍ أباحه الله تعالي، وفي ذلك تضيق علي الناس أو دفعاً لهم إلي الربا أو ما حرم الله...
وجاء اسم " إنّ " ضميراً للشأن، ولضمير الشأن شأنٌ في بلاغة العرب، فلقد مضي العلماء علي أن [ فائدته الدلالة علي تعظيم المخبر عنه، وتفخيمه بأن يذكر أولاً مبهما ًثم يفسَّر وكذلك يسمَّي ضمير المجهول، وهو عائد على ما بعده لزوماً إذ لا يجوز للجملة المفسرة له أن تتقدم عليه ] ( ١٧٠ )
وعليه فتقدير المعنى : فإن الفسوق بكم.
وكون ضمير الشأن مفخماً، ومعظماً للمخبر عنه يعني أن التفخيم للفسوق، وأن المبالغة في الفسوق. وهذا لون من ألوان التنفير، وزجر لكل من تسول له نفسه الإضرار بالكاتب أو الشاهد، لأن فسقه سيكون مؤكداً ومبالغاً فيه، أو أن الضمير يعود على الإضرار المفهوم من قوله :" ولا يضار "، ويكون المعنى : فإن الإضرار فسوق.


الصفحة التالية
Icon