ثم إنه كان يمكن أن يقال : فإنه فسوق وكفى، لكنه زاد النسبة، فقال [ بكم ] لإشعارهم بأن ضرراً وأذى قد لحق بهم، فعليهم الإسراع للتخلص منه، وكأن الفسوق يتعلق بهم حال إضرارهم بالكاتب، أو الشهيد، وليس المراد هنا لزومه لهم، أو أنهم لا ينفكون عنه كما قال البعض ] ( ١٧١ )
ولقد جاء في الحديث :" سباب المؤمن فسوق، وقتاله كفر " ولا يمكن حمل المعنى على أن من سب مسلماً لزمه الفسوق، ولا ينفك عنه، بل المعنى : على أن الفسوق لاحق به حال سبه، وأن الكفر لاحق به حال قتاله لأخيه المؤمن، ويزول عنه إذا كف عن ذلك.
أما قوله " بكم " وكان يمكن أن يقال - لأنه فسوق _ فوجهه إرادة الحكم على الفاعل تنفيراً من الإضرار، وزجراً له عن الوقوع فيه.
*****
بلاغة التكرار في قوله تعالى :
( وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)
وهذه ثلاث جمل جاءت في ختام الآية، والواو في الجملة الأولى استئنافية ؛ لختم التكاليف السابقة بالبواعث والمحرضات، على قبول ما سبق، والامتثال له ؛ ذلك لأن التكاليف السابقة فيها من الثقل ما فيها، والنفس حين يثقل عليها العبء تحتاج إلى ما ينشطها، فذكرتها الآية بتقوى الله تعالى ؛ [ لأنها ملاك الخير، وبها يكون ترك الفسوق ] ( ١٧٢ ).
أما تكرار، [ وإظهار اسم الجلالة في الجمل الثلاث، فلقصد التنويه لكل جملة ؛ حتى تكون مستقلة الدلالة، غير محتاجة إلى غيرها المشتمل على مُعاد ضميرها، حتى إذا استمع السامع لكل واحدة منها حصل له علم مستقل، وقد لا يسمع إحداها فلا يضره ذلك في أخراها، ونظير هذا قول الحماسي :
اللؤم أكرم من وبر ووالده واللؤم أكرم من وبر وما ولدا
واللؤم داء لوبرٍ يُقتلون به لا يقتلون بداءٍ غيره أبدا