لكن الزركشي - رحمه الله - خالف هذا، فقال [ وأما قول الله تعالى " واتقوا الله ويعلمكم الله " فظن بعض الناس أن التقوى سبب التعليم، والمحققون على منع ذلك ؛ لأنه لم يربط الفعل الثاني بالأول ربط الجزاء بالشرط، فلم يقل " واتقوا الله يعلمكم الله " ولا قال " فيعلمكم الله "..... وإنما أتى بواو العطف، وليس فيه ما يقتضي أن الأول سبب للثاني، وإنما غايته الاقتران والتلازم، كما يقال : زرني وأزورك، وسلم علينا ونسلم عليك... ونحوه مما يقتضي اقتران الفعلين، والتقارض من الطرفين، كما لو قال عبد لسيده : اعتقني ولك عليّ ألف، أو قالت امرأة لزوجها : طلقني ولك ألف، فإن ذلك بمنزلة قولها : بألف، أو على ألف.
وحينئذ يكون متى علّم الله العلم النافع اقترنت به التقوى بحسب ذلك، ونظير الآية قوله :
( فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ) (هود: ١٢٣).
ولا أظن أن هناك خلافاً على العلم اللدني، لقوله تعالى :( فَوَجَدَا عَبْداً مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً) (الكهف: ٦٥).
فالعلم الوهبي علم يورثه الله تعالى لمن عمل بما علم، وإليه الإشارة في الأثر :" من علم بما علم ورثّه الله علم ما لم يعلم ]( ١٧٨ )
هذا.... وإن كان العلم الوهبي لا يختلف عليه أحد إلا أن سياق الآية في شأن تعليم المسلمين الضوابط الحافظة للديون، ولا علاقة لها بالعلم اللدني.
ولعل من أقحم هذا الأمر نظر إلى ورود قوله تعالى " ويعلمكم الله " عقب قوله تعالى : واتقوا الله " وهذا بعيد - كما أرى -.
أما جملة ":" والله بكل شيء عليم "
فقد ختمت بها الآية، وهي مكونة من مبتدأ وخبر، ووضع بينهما الجار والمجرور " بكل شيء " لأن ما سبق كان تعليماً للمسلمين قواعد، وأصول الضبط، فأحاط المبتدأ والخبر ( الله عليم ) بكل شيء يتعلق بالديون،


الصفحة التالية
Icon