وقدم الجار والمجرور على الخبر لأن الآية في شأن التعليم والتوجيه ووضع الضوابط فقدم كل ذلك على الخبر، ولو كان السياق في تمجيد الله تعالى لقيل :" والله عليم بكل شيء.
وهذا الختام تذكير للمسلمين بأن ما وضعه الله تعالى من ضوابط إنما جاء من علم محيط بما قد ينشأ في النفوس من ريب عند ترك هذه الضوابط، أو مخالفتها مما يحتم عليهم الأخذ بها والإذعان لكل جزئياتها.
*******
الفصل الرابع
الإيقاع داخل الآية
لا شك أن روافد الجمال والبلاغة في اللغة العربية كثيرة، ومن أعلاها : تآلفها الصوتي، وانسجام حروفها وكلماتها وجملها في منظومة تجعل من الكلام وجبة متفاعلة العناصر متآلفة الأجزاء ؛ ولذلك كان الشعر ذا مكانة عالية عند العرب ؛ لما يفيض به من موسيقي ونغم.
لكن الذي ينبغي الالتفات إليه عند ملاحظة هذه النغمات وتلك التوافقات الموسيقية، هو ملاحظة العلاقة بينها وبين الغرض العام ؛ ولذلك يقول أستاذنا محمود توفيق
: "إن العربية في أي أفق من أفاق البيان بها هي لغة الإيقاع المتجدد " ( ١٧٩ ).
والنغم في اللغة ينبعث من عدة مصادر.. ويجمعها طريقان :
الأول : النغم الصوتي.
والآخر : النغم المعنوي.
ففي النغم الصوتي : تأتيك الموسيقي من خلال أصوات الحروف والحركات داخل الكلمة، ومن اختيار الكلمات واصطفاء موقعها داخل الجملة، كما يأتي من حجم الكلمة والختام بها في الفاصلة.
أما النغم المعنوي : فيأتي من التقابل، والتناظر، والتوازن، والتكافؤ، ورد العجز على الصدر، ومراعاة النظير....... إلى آخر ذلك من علاقات المعاني، ويجمع كل ذلك [ الانسجام ] ( ١٨٠ )
والآن فلنحاول أن نرهف السمع إلى ما يبدو من تلك النغمات
إن البداية تبدو في حجم الجملة داخل الآية، فالجملة العربية وحدة صوتية كبيرة، لها ما يميزها من إيقاع نغمي، وطول هذه النغمة أو قصرها لا شك له دلالته، أو ينبغي أن يكون له دلالته.


الصفحة التالية
Icon