وهذه التقابلات بين الجمل والمفردات تعمق المعاني المسكوت عنها في الآية ؛ فالآية تضع ضوابط لمنع الخلاف بين المسلمين، وهذا يعني أن النفوس على شفا هذه الهاوية ؛ فهي إذاً في وضع متقابل، أو تكاد، ومن ثم جيء بالمعاني لتصور هذا الوضع القائم بين الأطراف، ولترسم طبيعته المضادة في شأن الأموال، والتي من أجلها جاءت الآية لتطمئن، ولتضع الروابط بين هذه المتنافرات ؛ حتى لا يؤدي التعامل بالديون إلى المحذور، وهو الخلاف والشقاق.
كما أن من روافد النغم في الآية مراعاة النظير :
حيث جمع مع الكلمة الأم - وهي كلمة( الكتابة) جُمعَ معها بعض الألفاظ التي تمُتُّ بالصلة إلى أسرتها الدلالية ؛ وذلك نحو :[ علمه - يملل - تضل - تذكر - أقْوَم - يعلمكم - عليم ].
فكل هذه كلمات ذات وشائج، وروابط لا تخفى، وهذا يعني أن أسرة كلمة ( الكتابة ) جاءت لتضيف إلى المعنى المفهوم منها قوة وتأصيلاً ؛ إذ ليس التوثيق عارضاً، أو ثانوياً، بل هو هدف حُشدت له الألفاظ والتراكيب والصور.
الفصل الخامس
إعادة التركيب
بعد هذا التحليل، وبعد الوقوف أمام العناصر بأشكالها المختلفة ؛ من كلمات وجمل، وتراكيب، وصور، وعلاقة كل ذلك بالغرض العام، والسياق الكلي، والجزئي، وبعد رؤية النص من خلال السورة، وموقعه، وعلاقاته المتشابكة، ونغماته، وربط كل ذلك بغرض الآية الكلي.....
بعد كل هذا يبقى إعادة جمع هذه العناصر من منظور آخر ؛ ليكتمل المنهج الكلي.
وذلك بالنظر إلى الأسلوب الذي بنيت عليه هذه الآية : أعني الأسلوب الأعلى، والأكثر شيوعاً، والذي هو عمود الآية ومحورها، ثم النظر إلى علاقات الأساليب الأخرى به، وكيف
انعطفت عليه انعطاف الفرع على الأصل، وكيف دارت في فلكه، وتجمعت حوله ؟
والذي لا يخفى بعد التحليل أن الأسلوب المهيمن على الآية هو :
[ الأمر بالكتابة ].


الصفحة التالية
Icon