وإن من شأن أي مجتمع كثير الأفراد، متعدد الطبقات أن يعج بالكثير من المشاكل، والأمراض الاجتماعية، وإن من أخطر هذه المشاكل - في نظري اليوم - قضية الديون، والقروض التي أحاطت بالناس - وبخاصة الشباب - فقد أريد لهؤلاء الفتية أن يقترضوا، وفتحت لهم الأبواب على مصراعيها قصدا لأخذ القروض ليس تيسيراً عليهم كما يُدَّعَى، ولكن لإدخالهم في دائرة لا يخرجون منها حتى تشيب منهم النواصي، والعلة الجاهزة للرد على المحذرين هي أن القرض شيء مباح في الإسلام، لذلك شمرت عن ساعد الجد في دراسة هذه الآية، لأن الأمر - في نظري - خرج من دائرة المعاملات إلى دائرة القضايا الاجتماعية التي تؤثر بالسلب على المجتمع، وتشيع فيه روح المذلة، والخضوع، والانشغال بالديون وسدادها عما يدور حولهم من مشكلات تنال من دينهم قبل أن تنال من وطنهم.
ولقد أًصبح شبابنا اليوم أسيراً لهذا الغول الذي انتشر في المجتمع، ولا يكاد يخلو بيت منه.
فإذا أضفنا إلى ذلك الربا الذي ألحق بهذه المعاملات، والتي تسمى فوائد القرض رأينا أنفسنا أمام مخطط لإلهاء الناس، وإخضاعهم، بل واستعمارهم، ومن لم يأخذ دينا وضعت أمامه كماليات الدنيا يحوذ منها ما يشاء مع تقسيط ثمنها على فترات متباعدة، وهذا ضرب من الديون الخفية التي لا يكاد يسلم منها أحد.
وإذا تتبعت المشاكل اليومية، والقضايا المرفوعة أمام المحاكم لعلمت أن أكثرها يرجع إلى هذا الأمر، حتى تحللت عُرى المجتمع، وانتقض غزله، وذهبت قوته في خلافات ترجع كلها إلى الديون.
لذلك كله، ولغيره أيضاً جعلت هذه القضية محل بحثي في ضوء آية الدين، وهي آية جامعة مانعة، فتناولتها من الوجهة اللاغية التحليلية، لبيان منهج الله تعالى في شأن الديون، وعلاقة ذلك بما يفعله الناس، ولقد وددت من خلال هذه الدراسة أن أصرخ في الناس لينتبهوا إلى خطورة ما هم واقعون فيه.


الصفحة التالية
Icon