ومن هنا يتبين لنا أن قصة البقرة ذات علاقة وثيقة بالإيمان بالغيب ؛ ذلك لأن البقرة كانت سبباً في عدة أمور ؛ منها : إحياء الميت، وانفراج الغم الذي أحاط بالناس، والأهم من كل ذلك تعليم بني إسرائيل أن الإيمان بالغيب يستوجب التجرد من الأساليب الظاهرة.
كما أن هذا الاسم يحمل تحذيراً من منهج اليهود في المجادلة، وتنبيهاً على خطأ أسلوبهم الذي استخدموه مع رب العزة ومع أنبيائه.
أضف إلى ذلك أن حادثة البقرة كانت لإظهار الحق وحفظه من الضياع، كما هو حال آية الدين.
فالبقرة أظهرت الحق في الدماء،
وآية الدين تظهر الحق وتحفظه في شأن الأموال والديون.
********
خامساً : وجه اختصاص سورة البقرة بآية الدين
---------------------------------------
في القرآن الكريم قد ترى المعنى الواحد مبثوثاً ومصروفاً في أكثر من سورة، لكن هناك معانٍ لم تذكر إلا في سورة واحدة ولا شك أن هذا المعنى الفريد له علاقة وثيقة بمقصود السورة الأعظم، بل إن هذا المعنى يعدُّ رافدا من روافد الوصول إلى هذا المقصود الأعظم.
يقول أستاذنا محمود توفيق- حفظه الله - : قصة البقرة مثلاً لم ترد في غير سورة البقرة وكذلك قصة هاروت وماروت، وقصة تحويل القبلة، وفريضة الصيام وبيان أحكامه، وقصة طالوت وجالوت، وقصة الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت، وقصة الذي حاج إبراهيم في ربه، وقصة الذي مرَّ على قرية وهي خاوية على عروشها، وقصة إبراهيم والطير، وكذلك أحكام المداينة (٧).
والذي يعنينا هنا هو آية المداينة.
وبالنظر في تلك المقاصد التي اختصت بها السورة دون غيرها يلحظ أنها وضعت في إطار القصة عدا الحديث عن الصيام وعن المداينة ؛ فقد جاءا في إطار قوله ( كُتب عليكم ).


الصفحة التالية
Icon