أما الصيام فقد كتبه الله تعالى علينا ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (البقرة: ١٨٣).
وأما المداينة فلقد أُمرنا بكتابتها :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً فَاكْتُبُوهُ) (البقرة: ٢٨٢).
أما وجه اختصاص السورة بآية المداينة فيقف من ورائه عدة أسباب :
منها : أن السورة جمعت بين الكليات الخمس التي جاء الإسلام لحفظها، وهي ( الدِّين _ والنسل _ والعقل _ والنفس _ والمال ) وحفظ المال يشمل وضع الضوابط للتداين حتى لا يضيع بعجز المدين أو مماطلته.
ومنها : أن المعاني التي حوتها سورة البقرة تمثل الركائز التي يقام عليها بنيان الأمة، ومن أخطرها المعاملات المادية ؛ فكان البدء بها في أول سورة قرآنية من الضرورة بمكان.
******
سادساً : السياق العام والخاص للآية
لكل آية قرآنية عدة سياقات : سياق مباشر يتعلق بالمعاني الجزئية المحيطة بالآية.
وسياق أشمل داخل السورة يستعرض المعاني التي تناولتها، وعلاقاتها بالآية محل البحث.
ثم سياق عام قد يمتد ليشمل القرآن الكريم كله وبهذا يتحقق مقصود العلماء في أن القرآن الكريم كالكلمة الواحدة.
( وكلما ضاقت دائرة السياق كان أثره _ في النظم البياني أولاً وفي فقهه ثانياً _ أكثر جلاءً، وكان إدراكه أيسر، ومن ثم خفَّت مؤنة فقهه على الكثيرين.
وكلما كانت دائرة السياق أوسع كان أثره في النظم أعمق، وكان فقهه أخفى، وإدراكه أعسر فثقل على كواهل الكثيرين، فقلّتْ الدراسات التي تعنى بسياق السورة، وسياق القرآن الكريم كله ) ( ٨ )
والنظر البلاغي في السياق القرآني ليس مجاله الدائرة الصغرى من دائرة السياق، ومَن اقتصر عليه يكون قد غبن الدرس البلاغي.