الأول : للجميع بلفظ ( الناس ) وهو ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) (البقرة: ١٦٨).
والآخر : جاء للمؤمنين، وقد فصل هذا الأخير إلى قسمين :( أمر ونهي ).
فقيل في الأمر :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ) (البقرة: ١٧٢)
وقيل في النهي :( وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ ) (البقرة: ١٨٨).
وهذه دعائم ثلاث توضح المرتكزات التي تُبنى عليها القواعد الاقتصادية، وقد صيغت في قالب الجمع، ثم التقسيم : الجمع في قوله ( يا أيها الناس ).
والتقسيم في قوله ( يا أيها الذين آمنوا كلوا )، ثم، ( ولا تأكلوا أموالكم ).
ثم جاء بعد ذلك حديث عن الإنفاق، وهو الركيزة الثانية، أو الجناح الآخر للاقتصاد.
فالاقتصاد ( كسب، وإنفاق ) ؛ فقيل أولاً :( وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) (البقرة: ١٩٥).
ثم يتصاعد هذا الحديث عن وجوه الإنفاق، فيذكر مرة أن الإنفاق ( َلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ) (البقرة: ٢١٥).
ثم وجوه الإنفاق على النكاح ومستتبعاته، ثم الصدقات، ثم تحديد نوع المال المنفق، وأنه لابد أن يكون من الطيبات، ويظل الإلحاح على النفقة، وتهذيبها وتحري الطيبات منها، والتوجه بها إلى الله تعالى وحده...... إلخ
وهذا يوضح أن الحديث عن الإنفاق زاد بكثير على الحديث عن الكسب، فَلِمَ ؟
في نظري لأن القصد من الكسب هو الإنفاق، ولم يكن الكسب يوماً غايةً لذاته.
ثم تعاود السورة الحديث عن ضرب آخر من الكسب، وهو الكسب الربوي، وبينت خطورته، وإثم من يتعاطاه........


الصفحة التالية
Icon