ثم جاءت آية المداينة، لكنها فصلت عن الحديث عن الربا بآية تحذيرية، وهي آخر آية نزلت من القرآن الكريم، وهي قوله تعالى :( وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) (البقرة: ٢٨١).
ووضعها بين آيات الربا وآية الدين يفيد أنها تحذر من الربا وما يؤدي إليه.
أما الربا فقدّم عليها، وأما ما يؤدي إليه فتأخر عنها، فكأن الآية توسطت بين الربا وبين الديون، وهي الباب المؤدي إلى الربا غالباً.
وهذا الترتيب _ أعني وضع آيات الربا، ثم التذكير بالرجوع إلى الله تعالى، ثم آية المداينة _ هذا الترتيب يعد من أبلغ ألوان التحذير ؛ لأن النفوس مازالت في خوف وترقب، واستشعار الغضب الإلهي بسبب الربا.
وحين تأتي آية المداينة في هذا الجو المفعم بالخشية، والرعب، والحذر، والترقب ؛ فإن النفوس تضفي على المداينة، وأنواعها ألواناً من التحذيرات التي مازالت عالقة بها من الربا الذي هو حرب لله تعالى ورسوله، ومن مشاهد القيامة التي تجعل الولدان شيبا، ولا شك أن آية المداينة حين صاحبت آيات الربا قد أصابها من وعيدها، وتهديد أصحابها، والمبالغة في إنذارهم الكثير.
ولم لا والديون بوابة الربا، ومفتاح من مفاتيحه ؟ !
ولم لا وأكثر الخصام بين الناس يكون بسبب تلك المعاملات ؟!
ولم لا وآية المداينة قد امتلأت بالأشواك التي تحتاج إلى حذر شديد عند التعامل بها ؟ !
فإذا توجه البحث إلى النظر في وجود آية االمداينة في خواتيم سورة البقرة لتبين أنها جاءت بعد طريق طويل، سلكت فيه السورة كل سبيل لترسخ قواعد التوحيد، وتفصل شرائع الإسلام، وتربط كل ذلك بالبعث والنشور والرجوع إلى الله تعالى.


الصفحة التالية
Icon