وهذا يعني أن النفوس في تعاملاتها المادية تحتاج إلى توطئة طويلة من الأوامر الدينية، كما تحتاج إلى ضوابط صارمة من الأوامر والنواهي، في هذا المضمار ؛ ولذلك لا توجد آية قرآنية حوت من المحاذير ما حوته آية المداينة.
إن الحديث عن الاقتصاد الإسلامي من الأهمية بمكان ؛ لأنه ركيزة من ركائز ثبوت الدين، ودوامه، وانتشاره ؛ ولذلك وضع في أول سورة قرآنية بعد الفاتحة.
والبدايات دائماً تكون كالأسس والدعائم لكل بنيان، فإذا نظرنا إلى الإسلام كبنيان نلحظ أنه يقوم على ركيزتين :
الأولى : عقيدة راسخة تثمر عبادة وأخلاقاً.
والأخرى : قوة ٌ تحمي هذه العقيدة وتلك العبادة، وتضمن بقاء الأخلاق وانتشارها، ومن أجل ذلك كان محور سورة البقرة يدور حول هذين الأمرين ؛ لأن الخلل فيهما هدمٌ لمعالم الأمة المسلمة وتفتيت لأركانها، ولا يقوى أحدهما إلا في قوة الآخر ؛ فالأمة التي تُعنى بالعقيدة ولا تعنى بالقوة التي تحمي هذه العقيدة لابد أن يأتيها عدو يزلزل هذه العقيدة.
ومن هنا تتبين علاقة هذه الآية بالسورة عامة، وبالمقصود الأعظم منها، وهذه العلاقة تتضح، وتنكشف في مواضع، وتخفى وتستكن في مواضع أخرى، لكن في النهاية تظل علاقة الآيات كعلاقة الأنساب في عالم الإنسان، وكأن السورة في الذكر الحكيم قبيلة في أمة يربطها أصل واحد، وإن اختلفت صور أفرادها وأشكالهم، وألوانهم، لكنهم جميعا إلى رجل واحد ( ١٠ )
*******
سابعا: علاقة الآية بأول سورة البقرة وآخرها
لاشك أن آية المداينة خيط من خيوط السورة، وعنصر من عناصرها، وهذا العنصر يستقي ماءه من جذر السورة، أو المقصود الأعظم، ويرتبط بالباقي برباط يدق في موضع، ويعظم في آخر.
والذي لابد من الالتفات إليه هو النظر إلى الآية على أنها ختام آيات التشريع في سورة البقرة، والتشريع ما هو إلا رافد كبير من روافد النهر الذي أشارت إليه المقدمة.
كيف هذا ؟


الصفحة التالية
Icon