إن الجمع بين آية المداينة وأول سورة البقرة يلحظ فيه مايلي :
أولاً : حدثتنا السورة في بدايتها عن عدة معان :
* الكتاب * نفي الريب عنه * هداية المتقين * الإيمان بالغيب
وهذه المعاني شاخصة في آية المداينة، فأول شيء في الآية بعد النداء هو قوله تعالى ( فاكتبوه ).
ثم تتابعت هذه اللفظة بصور متعددة فقيل :( وليكتب- كاتب - كاتب -يكتب -فليكتب -تكتبوه - كاتب )
وهذه الكثرة في مادة الكتابة ليست إلا لحفظ وضمان الحقوق من الضياع أو النسيان أو الإنكار، وكل ذلك يتصل بالكتابة اتصالاً وثيقا.
ثانيا : تحدثت الآية عن الغاية من الكتابة، والتوثيق ؛ وهي نفي الريب، وذلك في قوله تعالى :
( ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا) (البقرة: ٢٨٢).
وكذلك أول البقرة حيث قيل :( لا ريب فيه هدى ).
فكأن نفي الريب عن الكتاب اشتق منه نفي الريب عن الكاتبين للديون.
ثالثاً : تحدثت الآية عن أن هذا التشريع يؤدي إلى تقوى الله تعالى ؛ فقالت :( وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (البقرة: ٢٨٢).
وكذا أول البقرة قيل فيه :( هدى للمتقين ).
ففي آية المداينة يحقق التوثيق تقوى الله تعالى، وفي أول البقرة يحقق الكتاب تقوى الله تعالى.
وهكذا نجد لُحمة النسب، والماء الجاري بين الآيات ماءً واحداً وإن اختلفت مجاريه.
علاقة الآية بختام سورة البقرة
جاء في ختام سورة البقرة قوله تعالى ( لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ) (البقرة: ٢٨٤)
وهذا تذكير بأن أخذ الديون وردها أو أكلها سحتاً لن يخرج عن ملكوت الله تعالى وتقديراته.