ثم إن ختام السورة تعرض لما يجول في نفوس الناس وهذه الخواطر وتلك الخلجات لها علاقة وثيقة بالديون : من حيث نية الأداء، أو نية الإتلاف، كما جاء في الحديث :( من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدّ الله عنه، ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله ) (١١ )
فالنية وما يدور في النفس هو ما عليه مدار الحساب.
أضف إلى ذلك امتلاء الآية بهذه الأوامر وتلك النواهي، والشروط، مما يستوجب السمع والطاعة، كما جاء في ختام البقرة :( وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ).
ثم إن الدَّين وهو عبء ثقيل، بل هو هم بالليل وذل بالنهار لايبعد عن قول الله تعالى: ( لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ َ) (البقرة: ٢٨٦
وهكذا تتشابك الخيوط وإن بعدت المسافات بين الآية وأول السورة، وختام السورة مما يزيد من وحدة الهدف، وهذا يقوي معني أن السورة القرآنية شبكة واحدة يجمعها نمط من الخيوط المتوازية تارة، والمتقابلة تارة أخرى، والمتجانسة تارة ثالثة.... إلخ
*****
ثامناً : وجه البلاغة في طول الآية
لا يشك أحد في أن تحديد فواصل الآيات، ورؤوسها توقيف من الله تعالى ( حيث تلقاه رسول الله ﷺ عن جبريل عليه السلام عن رب العزة جل وعلا )(١٢)
والسؤال الذي يطرح نفسه :
ما وجه جمع كل هذه المعاني والأغراض في آية واحدة، وقد كان من الممكن _ عقلاً _ أن تُجزّأ هذه الآية إلى عدة آيات ؟
لكن هذا لم يحدث ؛ حيث احتلت الآية صفحة كاملة من المصحف الشريف، وضم بعضها إلى بعض، حتى صارت آية واحدة.


الصفحة التالية
Icon