ولاشك أن النفس البشرية تنفر من التكاليف المجردة، وتتأبى على الأوامر العارية من النصح، ومن المثيرات والمحرضات، لكنها في الوقت نفسه تحب المقدمات وتُثار للمحرضات، وتسرع إلى كل شيء كانت قد هُيئت له، وكما قال عبد القاهر :( إن إعلامك الشيء بغتة ليس كإعلامك له بعد توطئة ) ( ١٨)
تلك فطرة النفس البشرية التي لم يغفلها القرآن الكريم، حيث وضع المحرضات قبل، أو بعد، أو في أثناء التكاليف حتى ترغب في أدائها النفوس.
والعجيب أن آية الدين جمعت بين الأصناف الثلاثة ؛ حيث سُبقت بأبلغ آية_ وآخر الآيات نزولاً _ وأكثرها دفعاً وتحريضا ً إلى الامتثال، وهي قول الله تعالى :( وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) (البقرة: ٢٨١)
ثم جاءت بعد آية المداينة عدة آيات أخرى باعثة ومحرضة، وذلك قوله تعالى :( لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَو تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (البقرة: ٢٨٤)
كما اختلطت الآية بالبواعث والمحرضات من مثل :( وليتق الله ربه ) ومثل ( ذلكم أقسط عند الله ) ومثل ( واتقوا الله ويعلمكم الله ).
وهذا يعني : أن الدَّين حمل ثقيل على كلا الطرفين، بل على جميع الأطراف : الدائن والمدين والشهود والكاتب، بل على الأمة كلها، وهذا يفسر وجه استعاذة النبي _ ﷺ _ منه، حيث يقول ( اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدين، وقهر الرجال ) ( ١٩ )
***
عاشراً : مصطلحات وحدود


الصفحة التالية
Icon