الواقع أن هذه الآية لها اتصال وثيق ببعض المصطلحات الفقهية، منها ما هو قديم مثل [ السَلَم ]، ومنها ماهو حديث مثل [ البيع بالتقسيط ]، ولقد رأيت من المناسب أن أشير إلى هذه المصطلحات، وأُعرِّف بها تعريفاً موجزاً يكشف النقاب عنها، وبالقدر الذي يتناسب مع طبيعة هذه الدراسة البلاغية، مع الإشارة إلى أن جميع هذه المصطلحات متصل بدائرة الديون من قريب أو من بعيد.
( قال الشافعي - رحمه الله - : قول الله تعالى :" إذا تداينتم بدين " يحتمل كل دين، ويحتمل السلف خاصة، وقد ذهب فيه ابن عباس إلى أنه في السلف..... وإن كان كما قال ابن عباس في السلف قلنا به في كل دين قياساً عليه لأنه في معناه ) ( ٢٠)
ويقول القرطبي :( قال ابن عباس : هذه الآية نزلت في السلم خاصة، معناه : أن سَلَم أهل المدينة كان سبب الآية، ثم هي تتناول جميع المداينات إجماعاً ) ( ٢١)
وأول ما ينبغي الوقوف عنده هو مصطلح :
الدَّيْن
( وحقيقته : عبارة عن معاملة كان أحد العوضين فيها نقداً، والآخر في الذمة نسيئة، فإن العين عند العرب ما كان حاضراً، والدين ما كان غائباً، قال الشاعر :
لترمِ بي المنايا حيث شاءت إذا لم ترم بي في الحُفرتين
إذا ما أوقدوا حطبا ًوناراً فذاك الموت نقدا غير دَيْن
وقد بيّن الله تعالى هذا المعنى في قوله سبحانه ( إلى أجل مسمى ) (٢٢)
ويستعمل الفقهاء كلمة الدَّيْن بمعنيين : أحدهما أعمّ من الآخر.
أما بالمعنى الأعم فيريدون به مطلق الحق اللازم في الذمة ؛ بحيث يشمل كل ما يثبت في الذمة من أموال، أياً كان سبب وجوبها، أو حقوق محضة كسائر الطّاعات : من صلاة، وصوم، وحج... إلخ.
وأما بالمعنى الأخص - أي في الأموال - فهو ما يثبت في الذمة من مال في معاوضة، أو إتلاف، أو قرض (٢٣)


الصفحة التالية
Icon