وعلى هذا، فإن ما أشيع من حروف جر في الآية لا يخرج معناه عن حمى الديون، بل يرتع فيه، حتى تكتمل اللوحة التي تصور أطراف المعاملة، وضوابطها.
أما ( أن ) فإنها وردت في الآية مصدرية فقط، وإن كانت تأتي لمعانٍ كثيرة، لكن تأويلها مع ما بعدها بمصدر يشير إلى دخولها في الفعل بعدها، وانضمامها إليه والتصاقها به، وهذا أيضا لا يخرج عن الإطار الذي تدور في فلكه الآية.
أما الأفعال الناسخة، فقد استعمل منها ( كان _ ليس ).
( والأصل في معنى _ كان _ المضيّ، والانقطاع ) ( ٤٠ ). وكأنها تشير إلى أن مصير كثير من الديون الانقطاع، بل والضياع، إلا المضبوطه، وهنا تبرز ( ليس ) التي ذكرت مرة واحدة ؛ لتفيد استثناء الديون المأخوذة بحق، والمحفوظة بالشرع.
وهكذا كلما تتبعتَ اللبنات الصغرى داخل الآية وحصَرتَ الشائع منها، وجدت أن الكل يدور في فلك واحد، وتتشابك خيوطه في نسيج واحد ؛ لتكوّن صورة واحدة لمضمون واحد، وهو التحذير من الديون، وأخذ الحذر عند التعامل بها.
الفصل الثالث
التحليل البلاغي للآية
التحليل البلاغي لأسلوب النداء في :}يا أيها الذين آمنوا {
( الخطاب هنا موجه للمؤمنين ؛ أي لمجموعهم، والمقصود منه : خصوص المتداينين، والأخص بالخطاب هو المدين ؛ لأنه من الحق عليه أن يجعل دائنه مطمئن البال على ماله، فعلى المستقرض أن يطلب الكتابة، وإن لم يسألها الدائن.
ويؤخذ هذا مما حكاه الله تعالى في سورة القصص عن موسى وشعيب _ عليهما السلام _ ؛ إذ استأجر شعيب موسى، فلما تراوضا على الإجارة وتعيين أجلها، قال موسى :( والله على ما نقول وكيل ) فذلك إشهاد على نفسه لمؤاجرِه دون أن يسأله شعيب ذلك ). ( ٤١)


الصفحة التالية
Icon