وحرف النداء ( يا ) له من الخصائص ما ليس لغيره، فهو ( أصل حروف النداء، وأكثر حروف النداء استعمالا، ولا يُقدَّر عند الحذف سواه، ولا ينادى اسم الله _ عز وجل _ واسم المستغاث، وأيها، وأيتها، إلا به.
قال النحاة :( يا ) أم الباب، ولها خمسة أوجه من التصرف :
أولها : نداء القريب والبعيد. وثانيها : وقوعها في باب الاستغاثة دون غيرها.
ثالثها : وقوعها في باب الندبة ورابعها : دخولها على أي.
وخامسها : أن القرآن المجيد مع كثرة النداء فيه لم يات فيه غيرها ) ( ٤٢ )
ومن دلالة هذا النداء ( وخصائص نظمه، واصطفاء عناصره على هذا النحو يبدو فيه ما يدل على إلزامهم بما دخلوا فيه طوعا من إيمان وتسليم ) ( ٣٤ )
فهم الذين ارتضوا هذا الدين وآمنوا به وسلموا لأوامره ونواهيه، وكأن النداء تذكير لهم بما التزموا به، وارتضوا ؛ فقيل لهم :( يا أيها الذين آمنوا ) ( ٤٤ )
كما أن في اصطفاء لفظ ( آمنوا ) على هذا النمط _ حيث جاء فعلاً _ إشارة أخرى إلى ( أن إيمانهم لا يزال فعلاً، وأنه ما يزال فيهم بقية من غفلة ) (٤٥ ) وليدخل فيه عموم من دخلوا في الإيمان، وليس خصوص المؤمنين ؛ لأنه مما لا شك فيه أن هناك فرقاً بين أن يقال :( يا أيها المؤمنون ) و ( يا أيها الذين آمنوا ) ؛ فالمؤمنون أعلى منزلة، وأكثر إيماناً من الذين آمنوا ؛ ذلك لأن الإيمان في المؤمنين صار اسمًا لهم، وصفة ثابتة، أما الذين آمنوا ؛ فالإيمان لديهم لا يزال فعلاً، ولم يرق إلى مرحلة الثبوت، وفرق بين هذا وذاك.
وعلى كلٍّ، فإن النداء عليهم ( تشريف لهم بتعريفهم بخير صفاتهم )( ٤٦)
وزد على ذلك أن النداء عليهم صادر عن الحق _ سبحانه وتعالى _ وليس هناك وسيط بينه وبينهم، وفي ذلك أيضا من التشريف ما فيه ( وهذا التكليف والتذكير، والتشريف المحتَضَن في رحم النظم متناسق أيما تناسق مع ما هو آت من بعد ) ( ٤٧ )


الصفحة التالية
Icon