وعند العكبري في التبيان يقول :( قوله " فادّرأتم " أصل الكلمة تدارأتم، ووزنه :" تفاعلتم "، ثم أرادوا التخفيف، فقلبوا التاء دالاً ؛ لتصير من جنس الدال، التي هي فاء الكلمة ؛ لتمكن الإدغام، ثم سكّنوا الدال ؛ إذ شرط الإدغام أن يكون الأول ساكناً، فلم يمكن الابتدء بالساكن، فاجتلبت له همزة الوصل، فوزنه الآن " افاّعلتم " بتشديد الفاء، مقلوب من " تفاعلتم "، والفاء الأولى زائدة، ولكنها صارت من جنس الأصل ؛ فيُنطق بها مشددة، لا لأنهما أصلان، بل لأن الزائد من جنس الأصل ) ( ٥٥ ).
ومع كل هذا يبقى السؤال :
ما وجه اصطفاء " تداينتم " دون " اداينتم " ؟
إن صيغة " اداينتم " تشعر بأنهم الغُرماء، وأن المؤمنين جميعاً مدينون لغيرهم، وهذا غير مقصود ؛ لأن الدائن، والمدين في الآية من المؤمنين، وهذا مفهوم من الفعل " تداينتم " ؛ ولذلك قال ابن جريج :" من ادَّان فليكتب، ومن باع فليُشهد، ) ( ٥٦ )
فاختيار صيغة " افتعل " لأن المقصود : مَنْ أخذ ديناً، أو اشترى بدين، فعليه الكتابة.
أما لو قيل :( من تداين ) لفُهِم منه : من تعامل بدين، سواء أكان دائناً أم مديناً، وعليه فالصيغة الواردة في الآية توحِي بأن الأصل في المجتمع المسلم أن تكون حركة بيعه وشرائه وتعاملاته بينه وبين بعضه، وأنّ تعامله مع الآخرين يخرج عن الأصل إلى الضرورة.
كما أن وضع الفعل " تداينتم " في إطار الشرط يفيد هذا النوع من التعامل، فالديون والتعامل بها لابد أن يكون في إطار الضرورات، وليس العكس، مما يترتب عليه التضييق على هذا النوع من التعامل.
فإذا أضيف إلى كل ذلك معنى الدّين، وأنه يفيد الخضوع، والذل، لعلمنا أن الآية من بدايتها تحذر المؤمنين حتى يحُدُّوا من هذه المعاملات القائمة على الديون.
******
دلالات البيان في قوله :" بدين "


الصفحة التالية
Icon