يرى البعض أن الجار والمجرور ( بدين ) تأكيد لقوله :( تداينتم )، مثل قول الله تعالى ( ولا طائر يطير بجناحيه)، وقوله :( فسجد الملائكة كلهم أجمعون ).
( فإن قال قائل : وما وجه قوله :" بدين " وقد دل بقوله " تداينتم " عليه ؟
وهل تكون مداينة بغير دين، فاحتيج إلى أن يقال ( دَيْن ) ؟
قيل : إن العرب لمَّا كان مقولا ًعندهم ( تداينا ) بمعنى : تجازينا، وبمعنى: تعاطينا الأخذ والإعطاء بِدَيْن، أبان الله تعالى بقوله ( بدين ) المعنى الذى قصد تعريفه من قوله :( تداينتم ) حكمته، وأعلمهم أن حكم الدين دون حكم المجازاة.
وقد زعم بعضهم أن ذلك تأكيد كقوله :( فسجد الملائكة كلهم أجمعون ).
ولا معنى لما قالوا في هذا الموضع( ٥٧ ).
يقول العلامة أبو السعود :( إن فائدة قوله _ بدين _ هي : تخليص المشتَرك، ودفع الإيهام قصدا ؛ لأن تداينتم يجيء بمعنى : تعاملتم بدين، وبمعنى : تجازيتم، ولا يُرَدُّ عليه بأن السياق يرفع الإيهام ؛ لأن السياق قد لا ينتبه إليه الفَطِن، وقد ذُكر ليرجع الضمير إليه ؛ إذ لولاه لقيل :( فاكتبوا الدين )، فلم يكن النظم بذلك الحسن عند ذوي الذوق بأساليب الكلام.
واعتُرض بأن التداين يدل عليه فيكون من باب :( اعدلوا هو أقرب للتقوى ).
وأجيب بأن الدين لا يراد به المصدر، بل هو أحد العوضين، ولا دلالة للتداين عليه إلا من حيث السياق، ولا يُكتفى به في معرض البيان، لاسيما وهو مُلبس.
وقيل : ذكر ؛ لأنه أبين ؛ لتنويع الدين إلى مؤجل، وحال ؛ لما في التنكير من الشيوع، والتبعيض، لما خص بالغاية، ولو لم يذكر لاحتُمل أن الدين لا يكون إلا كذلك ( ٥٨).
وقد يكون استعمال لفظ ( بدين ) دفعاً لتوهم المجاز ؛ ذلك لأن التداين قد يفهم منه معنى الوعد، كما قال رؤبة :

داينت أروى والديون تقضى فمطلت بعضاً وأدت بعضاً.
فذكر قوله :(بدين ) دفعاً لتوهم المجاز ) ( ٥٩)


الصفحة التالية
Icon